لتطوير المستشفيات وسلامة المرضى.. روح العمل كفريق

TT

النجاح في «صناعة» عمل يتحلى بروح الفريق هو الأساس للنجاح في تقديم خدمة طبية للمرضى تتميز بجودة الأداء وصواب نوعية الإنجاز. هذه إحدى حقائق الطب اليوم التي تدعمها شواهد الواقع، والأدلة العلمية عليها لا تزال تتوالى علينا. وإنشاء «ثقافة عمل» work culture ضمن فريق يعزز قيم «التعاون» collaboration التي تستند عليها بالأصل عملية معالجة المرضى ضمن فريق يتكون من أطباء متفاوتي الرتب العلمية والخبرات الإكلينيكية، وممرضين، وصيادلة، ومتخصصين في التغذية الصحية والعلاج الطبيعي والتثقيف الصحي، وخدمات مساندة في مجالات فحوصات الأشعة وتحاليل المختبرات، إضافة إلى كوادر إدارية وهندسية تتولى القيام بمهام لوجستية أخرى لازمة لتهيئة بيئة ملائمة لمعالجة المرضى بكفاءة، تضمن نجاح المعالجة وسلامة تقديمها. وفي بيئة العمل الصحي ضمن فريق تتم، بصفة تعاونية، عمليات التفكير والتخطيط واتخاذ القرارات وتنفيذ البرامج والمشاريع وتقييم مخرجاتها.

واليوم، تعود كل مناهج العالم المعنية بوضع مقومات نجاح تقديم ذلك المستوى من الجودة في خدمة المرضى والعمل على تحقيق أعلى درجات السلامة لهم.. تعود إلى ضرورة «صناعة» عمل طبي يتحلى بروح الفريق في المستشفيات.

وكما أن الحب والمودة، لا يمكن شراؤهما بالمال ولا يمكن فرضهما بقوة القرارات الإدارية، فإنه لا يمكن كذلك «صناعة» عمل يتحلى بروح الفريق في المستشفيات ومرافق تقديم الرعاية الصحية. والسؤال: ما الذي ومن الذي «يصنع» في نفوس العاملين الطبيين هذه القناعة؟

والجواب الذي قد يتبادر إلى الذهن لدى كثيرين من داخل وخارج الوسط الطبي هو: إما المكافآت المالية المجزية والرواتب العالية أو القرارات الإدارية الملزمة. ولكن هل هذا صواب؟ الجواب: يقينا لا. وصحيح أن قدرا «كافيا ووافيا» من المقابل المادي شيء أساسي للعاملين في الأوساط الطبية كي تبقى أذهانهم واهتماماتهم مركزة في تقديم أرقى ما يمكن من مستوى الرعاية الطبية دون التشتيت في التفكير بهموم متطلبات الحياة اليومية والمستقبلية لهم ولأفراد أسرهم، إلا أن المال وحده، والمبالغ العالية منه تحديدا، لا تصنع من الممرض المهمل ممرضا ذا قلب حي يتحرّق رغبة في خدمة مريضه بأمانة وإتقان طوال الوقت، والمال أيضا لا يحول الطبيب المستهتر أو غير المتقن عمله واهتمامه بمرضاه إلى «طبيب حكيم» بكل معنى الكلمة بين ليلة وضحاها.

تبدأ «صناعة» عمل يتحلى بروح الفريق من إنتاج قناعة برؤية ورسالة تتبنى ارتباط رضا العاملين عن أنفسهم وأدائهم بثلاثة أمور: أولها مدى رضا «مستهلكيهم» و«زبائنهم» المرضى عن خدماتهم، وثانيها شعورهم العميق بالانتماء والمشاركة في تكوين «سمعة» النجاح والريادة للمنشأة الصحية التي يعملون فيها، وثالثها بناء نفسية للعاملين تتبنى عدم الغفلة ولا طرفة عين عن حقيقة أنهم عاملون متصدرون لتقديم خدمة صحية ذات طابع إنساني تهدف إلى تخفيف معاناة المرضى وذويهم وحماية أرواح مرضاهم.

ونعود للسؤال: ما الذي ومن «يصنع» في نفوس العاملين الطبيين هذه القناعة وارتباطاتها؟ الجواب هو: أولا مناهج المؤسسة التعليمية التي «أنتجتهم» بوصفهم متخصصين في شأن تقديم الرعاية الصحية، وثانيا المؤسسة الصحية التي يعملون فيها. ودور المؤسسة الصحية كبير، وعليه أن يكون متواصلا لا يتوقف ولو لبرهة، في «إنشاء» و«رعاية» ضرورة اهتمام العاملين الطبيين برضا مرضاهم، وفي تكوين شعور الانتماء لبناء «سمعة» النجاح والريادة للمنشأة الصحية، وفي تذكّر أذهانهم أنهم يقدمون خدمة صحية ذات طابع إنساني لمرضاهم وذويهم.

ونعود للسؤال: كيف «تصنع» المؤسسة الصحية هذا وترعاه لدى العاملين؟ الجواب يبدأ من توضيح المطلوب من العاملين فعله، وكيفية قيامهم به، و«صناعة» أجواء آمنة لتقديم الخدمة، وتكوين آليات للتقدير على الإنجازات.

وهذا كله هو ما تهدف برامج تطوير الجودة وسلامة المرضى إلى «زرعه» في المنشآت الطبية الخالية منه، و«سقايته» في المنشآت الطبية التي بدأت مشوار رحلتها نحو تحقيق جودة الخدمة وسلامة المرضى. وعبر وضع معايير العمل للمتخصصين في الرعاية الطبية Bylaws، وتوضيح السياسات policy والإجراءات Procedure لتقديم الخدمات الطبية، ووضع لوائح الصلاحيات وتطبيقها privileges، وآليات الرقي والتطور العلمي والوظيفي master staffing plan، وتطبيق خطة شاملة للإحصاء والبيانات master data plan، وبناء برامج لأهداف محددة لسلامة المرضى safety goals، وتكوين بيئة تعتمد ثقافة السلامة بالمنشأة الصحية safety culture قوامها الشفافية والمصداقية وعدم اللجوء إلى العقوبات disciplinary actions حلولا وحيدة، وإعادة بناء عمليات تقديم الرعاية والإنجاز وفق العمل كفريق team work، ومتابعة إنجازات الخدمات الصحية عن طريق لجان متخصصة committees، وغيرها الكثير من الوسائل التي تنقل أسلوب العمل نحو النهج المؤسساتيinstitutionalism في القرارات والتنفيذ.. ويتزامن هذا كله مع رؤية العاملين في المنشأة الصحية أن ثمة برامج لمشاريع استراتيجية للتطوير strategic plan project على مدى أعوام مقبلة، فإننا نصل إلى منشأة صحية «يعشق» العاملون فيها التفاني للخدمة في أروقتها وعياداتها وأجنحة تنويم المرضى بها.

روح الفريق غاية ممكنة وغير مستحيلة، وتم تطبيقها بنجاح في برامج غزو الفضاء والصناعات المعقدة والدقيقة، ولا شك أنها ستنجح في علاج الأمراض وتقديم العناية المركزة وإجراء العمليات الجراحية.

استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض