المخابرات الأردنية.. واليوم العظيم في لبنان

TT

في أكثر من مناسبة، تطرقت إلى أن قوة المخابرات الأردنية لم تبن بكفاءة ومهنية ووطنية رجال الجهاز وحدهم، بل بتلاحم هذه العوامل الحاسمة مع حكمة القيادة والتفاف شعبي كان ولا يزال رافعا شعار «الأمن خط أحمر». وبقي هذا الجهاز ورفاقه في الأمن العام والوقائي موضع ثقة دولية ووطنية. اعتمادا على فلسفة أمنية قائمة على الإنصاف أولا، وعلى مبدأ «الأمن مسؤولية الجميع تطوعا» ثانيا. مسؤولية سائق سيارة الأجرة، والبائع، والمتسوق، وعمال تنظيف الطرقات.. قبل أن تصل إلى عنصر الأمن، والحديث يطول.

وليس غريبا أن تحبط المخابرات أكثر المؤامرات خطورة، متتبعة أثرها من داخل الأراضي السورية، إلى ساعة التفكيك الكامل؛ لتثبت مرة أخرى أن المستهدف هو أمن المواطن وبناؤه ومستقبله، قبل استهداف مؤسسات أخرى. ورغم وجود نوع من سجال سياسي، فالجميع مدركون لأهمية الحكمة وحتمية بقاء التفاعل ضمن حدوده الإيجابية. وجعلوا الأردن خاليا بدرجة عالية من الخلايا النائمة، التي تتبع سلطة القمع في دمشق، ومن يجري ضبطهم ليسوا إلا عناصر تدفع من خارج الحدود، وإن وجدت خلايا داخلية فتبقى هامشية جدا.

إذن، لا ضرورة للقلق على الأمن الأردني، فقواته كافية لكل المهمات، لكن المقلق هو ما تتحمله الخزينة الأردنية جراء تدفق مئات آلاف الضيوف السوريين، وأضعاف هذا العدد من عرب آخرين لم يجدوا غير الأردن ملاذا. وإذا كان الغرب في دور النقاهة من أزمة مالية صعبة، فالمال العربي متوافر بكثرة، ولم يأخذ طريقه إلى عمان كما ينبغي، عدا المساعدات السعودية التي أشاد بها العاهل الأردني علنا.

أما لبنان، فبدأ تاريخه بـ«اليوم العظيم»، وهو يوم وسام الحسن القائد الشجاع. وكانت مصادفة أن يتضمن مقالي السابق في اليوم العظيم، المنشور قبل ساعات فقط من ثورة الحسن، تحذيرا من خياري الاجتياح أو القضم البطيء للبنان؛ ففي اليوم العظيم جرب الإرهابيون حظهم في اختبار إرادة اللبنانيين، فثبت لهم أن وسام الحسن لم يكن لواء أمن عاديا، بل كان جزءا فاعلا من حركة إنسانية تجسدت بثورة رفض وشجب عمت العالم كله. وجاءت مراسم التكريم المهيبة، والتدفق البشري الكبير، للتعبير عن إرادة خيبت آمال الإرهابيين بطريقة أبهرت العالم. يعود الفضل البشري فيها إلى الزاحفين بقوة الإيمان، وللحضور الشجاع لسمير جعجع في موقع الجريمة، قبل أن ينقشع غبارها ودخانها، ولسعد الحريري بدعوته القوية التي لاقت استجابة كبيرة، وللسنيورة بحضوره الشجاع، الذي ذكرني بتصديه القوي لموقف إميل لحود في الجلسة المغلقة لمؤتمر قمة الخرطوم في مارس (آذار) 2006، بحضور بشار الأسد، متحديا موجة الإرهاب التي طالت رفيقه الحريري الكبير ورفاقه الآخرين.

لقد أثبت الجيش اللبناني وجودا مهما، وأثبت فرسان لبنان أنهم لن يترجلوا عن مسيرة بدأوها في اليوم العظيم، ولفت الانتباه حضور العلامة السيد علي الأمين، وشخص يرتدي الزي العربي التقليدي، أظنه السفير السعودي. وهما موقفان شجاعان في وقت عز فيه على البعض الحضور. وجاء حضور جعجع والسنيورة تجاوزا على ألف باء الأمن، لكنه كان ضروريا لاعتبارات معنوية في مرحلة بالغة الحساسية، خلافا لاختفاء بشار بعد حادثة مكتب الأمن القومي في دمشق، ولتفادي رئيس حزب الله الحشود الجماهيرية.

فماذا بعد؟ المطلوب الآن هو تحرك عربي فعال، ومن الصادقين من أصدقاء الشعب السوري، لاستثمار اليوم العظيم بتعزيز الدور الأردني واللبناني بكل الوسائل، في الوقت نفسه الذي بات مملا جدا عدم تعزيز الثورة السورية بكل الوسائل المشروعة، لدحر سلطة القمع. ليس لنصرة المدنيين الأبرياء فقط، بل للمحافظة على الثورة من الانزلاق نحو التطرف، كوسيلة لمجابهة الجرائم، وكتعبير عن اليأس والإحباط من العرب والمجتمع الدولي. فحماية الثورة السورية ومساعدتها على تحصين نفسها من التطرف مسؤولية تاريخية تقع على كل قوى الخير والسلام في العالم. لقد أثبتت أحداث الأسبوع وجود حاجة فعلية لإقامة تعاون عربي - لبناني فعال مع المخابرات الأردنية، وتطويره إن كان موجودا، للاستفادة من تجربتها الرائدة، لمجابهة الإرهاب في بلاد الشام عموما، وفي لبنان تحديدا.

أما أنت يا دولة الرئيس مقياتي، فلم يعد مبررا بقاؤك على خطأ قبولك التكليف الوزاري، وعدم تصديك للإرهاب، فعد إلى أهلك ولا تصدق وهم الفراغ، فلبنان عائد إلى أهله.