في أفغانستان.. ينبغي أن لا تنسى التفاصيل الدقيقة

TT

قضيت معظم العام الماضي في أفغانستان، حيث كنت أقوم بالتدريس في برنامج خاص بسيادة القانون ممول من قبل الحكومة الأميركية، الذي نظم في «مركز التدريب الإقليمي» الذي تديره الولايات المتحدة. ضم «مركز التدريب الإقليمي» نحو 700 رجل، غالبيتهم من متدربي الشرطة الأفغانية، ولكن المشاركين في هذا البرنامج تكونوا بصورة رئيسية من الجنود والمتعاقدين المدنيين الأميركيين، إلى جانب الشخصيات العسكرية والمدنية من دول أخرى، بينما كنت أنا المرأة الأجنبية الوحيدة التي كانت تعيش في هذا المعسكر.

وخلال هذه الفترة، ثمة عدد قليل للغاية من النساء الأفغانيات قمن بزيارة مقر «مركز التدريب الإقليمي»، الذي كان يستخدم في الأساس لتدريب قوات الشرطة. قام كثير من المنظمات الأخرى، مثل بعثة الشرطة التابعة للاتحاد الأوروبي في أفغانستان وشركة «دينكورب» الدولية وقوات الجيش الألمانية بتقديم بعض الدورات الأخرى، التي كانت تركز في الأساس على موضوعات مثل الطب الشرعي، والتحقيقات التي يتم إجراؤها في موقع الجريمة، والقانون، وإجراء مقابلات مع الشهود.

وعلى الرغم من أن هذه الدورات كانت مفتوحة أمام كل المواطنين الأفغان الذين يعملون في مجال القانون وإنفاذ القانون أو الوعي المجتمعي، سواء أكانوا ذكورا أم إناثا، فإنه لم يلتحق بهذه الدورات سوى عدد قليل للغاية من المواطنات الأفغانيات. ففي صف يتكون من 40 طالبا تقريبا، لم يكن هناك وجود لأي امرأة في أيام الدراسة العادية. أما في بعض المناسبات النادرة، عندما كانت النساء يحضرن إلى الدورات، فعادة ما كن يحضرن في مجموعات تتكون من اثنتين أو 4 من النساء، ودائما ما كن يجلسن في الخلف.

وعلى الرغم من أن هذه البرامج كانت في حد ذاتها جديرة بالاحترام ومحاطة بالنوايا الطيبة، فإن بعض التفاصيل الدقيقة في إدارة هذه البرامج أدت إلى تقويض إحدى أهم الرسائل التي كان الغرب يسعى لإرسالها للمواطنين الأفغان؛ ألا وهي إشراك المرأة في مجال التعليم، حيث تعتبر الأعمال المتهورة من الناحية الثقافية - مهما كانت صغيرة - أعلى صوتا من أي خطاب أو منحة أو برنامج.

أخبرني الرجال الأفغان أن النساء لم يشعرن بالراحة لأن الجميع كانوا ينظرون إليهن أثناء دخولهن إلى «مركز التدريب الإقليمي»، نظرا لأن هذا الأمر يضر بسمعتهن، وأن كثيرا من الرجال الأفغان لا يرغبون في مغادرة نسائهم المنزل من دون إذن، ناهيك بالسماح لهن بالخروج لتلقي التعليم. وعلى الرغم من أن النساء اللاتي تجرأن على الدخول إلى «مركز التدريب الإقليمي» كن يتلقين تدريبا، فإن التسهيلات والخدمات التي قدمها المعسكر لهن كانت محدودة للغاية. كان الجميع يخضعون للتفتيش الأمني عند دخول «مركز التدريب الإقليمي»، ومع ذلك، لم يكن هناك سوى حارسة أمن وحيدة لتفتيش السيدات. وفي كثير من الأحيان، كانت هذه الحارسة تتغيب عن العمل، مما جعل من عملية التفتيش الأمني أمرا مخيفا للغاية وغير مقبول على الإطلاق من الناحية الثقافية بالنسبة للنساء الأفغانيات، حيث إن فكرة السماح لضابط أمن غريب بالتلويح بجهاز الكشف عن المعادن بالقرب من أجسادهن أو وضع يده داخل حقائب اليد الخاصة بهن كانت تمثل انتهاكا صارخا لخصوصياتهن وخرقا للأعراف المقبولة اجتماعيا في هذا المجتمع.

وعلاوة على ذلك، لم تكن هناك أي مراحيض عامة خاصة بالإناث في المعسكر. وعندما تساءلت عن هذا الأمر، أخبرني البعض بوجود مراحيض عامة متاحة لاستخدام الجميع، ولكن في ثقافة تحتوي على كثير من الحساسيات حول الحفاظ على مسافة مناسبة بين الرجال والنساء، أدركت على الفور أن هذا الأمر لم يكن مناسبا، حيث شعرت النساء الأفغانيات بتردد كبير في دخول هذه المراحيض.

لم ترغب السيدات أيضا في دخول قاعة الطعام الموجودة في المعسكر، حيث كان يتوجب عليهن الجلوس بين مئات من متدربي الشرطة الذكور. وفي المقابل، كانت هؤلاء السيدات يفضلن الجلوس في مكان معزول، مثل قاعة درس غير مستخدمة، وتناول الطعام المقدم إليهن. يقوم الغرب بضخ ملايين الدولارات في برامج المساواة بين الجنسين، ولكننا لا نولي اهتماما كافيا لمثل هذه التفاصيل الدقيقة، فنحن بحاجة إلى جعل مراكز التدريب في أفغانستان صديقة للمرأة، خاصة في المناطق الريفية، فضلا عن تعيين ضابطات أمن بدوام كامل وتوفير بعض المرافق، مثل دورات المياه وغرف الطعام، لتلبية احتياجات المرأة الأفغانية.

والأهم من ذلك، إذا كنا نريد تشجيع مشاركة الإناث المحليات، فيتوجب علينا تعيين المزيد من الموظفين الدوليين من النساء. عندما شاهدتني النساء الأفغانيات أتجول حول المركز وأعمل مع الرجال على قدم المساواة، كن ينظرن إليّ مثل الرمز لما يمكن أن يكون عليه مستقبلهن.

لقد قمنا بضخ مزيد من الأموال والقوى العامة في هذه البلدان لتعزيز المساواة بين الجنسين، ولكننا ما زلنا غافلين عن مثل هذه التفاصيل الدقيقة. يتوجب علينا القيام بكل ما في وسعنا لاستيعاب النساء المحليات في برامجنا، حيث إن نجاح برامجنا ومستقبل النساء الأفغانيات يعتمد على هذا الأمر.

* محامية في واشنطن قامت بالعمل في العديد من مشاريع التنمية الدولية بالخارج بما في ذلك كوسوفو والعراق وأفغانستان

* خدمة «نيويورك تايمز»