معبد هيبس.. القصة الحقيقية

TT

أعلنت الصحف المصرية منذ أيام قليلة عن استعدادات تجري لافتتاح معبد هيبس بواحة الخارجة، وذلك أثناء الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء المصري لمحافظة الوادي الجديد، وبحضور الوزراء المعنيين.. إلى هنا والخبر عادي، ولكن ما حدث هو أن المعبد قد افتتح رسميا ولم يُسلط عليه ما يستحقه من الضوء لتعريف الناس، سواء في داخل مصر أو بالخارج، قصة هذا المعبد الفريد والخطر الذي تعرض له وكاد يقضي عليه للأبد، ثم ما قمت به وفريق العمل المعاون لي لإنقاذ المعبد وترميمه وإعادته للحياة مرة أخرى طوال 10 سنوات من العمل الشاق. أيام غريبة نعيشها الآن في مصر؛ نرى أشخاصا يتسابقون لنيل مكاسب وثمار جهد أناس آخرين سبقوهم في العمل! والأكثر غرابة أنه ما من أحد عاد يسأل السؤال الطبيعي، وهو ما المدة التي استغرقها العمل لإنقاذ المعبد؟ أو متى بدأت عمليات الإنقاذ؟ وعلى الرغم من ذلك فما من شك أن التاريخ سوف يعطي الحق لصاحبه.

وتبدأ قصة معبد هيبس في عام 2000، حيث بدأ المجلس الأعلى للآثار يلتفت لضرورة ترميم المعبد، خاصة لأن أساسات التربة أسفله ضعيفة، وأحجار المعبد ذاته بدأت تتحلل، وكان أمام المجلس حلان: الأول هو نقل المعبد إلى الناحية الشمالية من موقعه الأصلي لتفادي تخلخل التربة، والحل الآخر هو ترميم المعبد في موضعه دون نقله.. وفعلا بدأت الإدارة في ذلك الوقت في تبني الحل الأول، وتم تكليف شركة «المقاولون العرب» بأعمال فك ونقل المعبد. لكن كان من الواضح أن عملية نقل المعبد ستؤدي إلى تدميره. وقام فاروق حسني وزير الثقافة في ذلك الوقت بتشكيل لجنة عليا من المهندسين والأثريين برئاستي، وكنت وقتها أشغل منصب رئيس الإدارة المركزية لآثار القاهرة والجيزة. وفي الموقع، أقمت لعدة أيام واللجنة المشكّلة ندرس ونتناقش مع كل الآراء المختلفة؛ سواء المؤيدة للنقل أو المعارضة له وكانت البوابة الأولى للمعبد قد تم فكها ونقلها، وفقد المعبد بالفعل كثيرا من عناصره المعمارية، وهو الذي يعد أحد أهم المعابد الموجودة في الواحات المصرية، بل والوحيد المتبقي الذي يرجع بناؤه إلى العصر الصاوي - المسمى بعصر النهضة والإحياء في مصر الفرعونية - نحو 500 قبل الميلاد، وقد بدأ بناء المعبد في عصر الملك بسماتيك الثاني، وظل يضاف عليه إلى العصر اليوناني الروماني، وخصص المعبد لثالوث مدينة طيبة (الأقصر حاليا) آمون وموت ونفرتم. وكان الواضح أن هناك جريمة قد حدثت في حق هذا الأثر الفريد، وبعد دراسات وافية من كل المتخصصين، وعلى رأسهم الدكتور مصطفى الغمراوي أستاذ ميكانيكا التربة، قررت اللجنة ترميم المعبد في موضعه بعد معالجة التربة وإعادة ما تم نقله بالفعل إلى موضعه مرة أخرى، خاصة أن النقل قد تم إلى منطقة أثرية لم تكتشف بعد، الأمر الذي كان سيؤدي إلى تدمير الموقع الأثري غير المكتشف. وبدأت نفس الشركة في العمل بإشراف فريق متكامل من أثريين ومهندسين، استطاع عزف سيمفونية حب وإبداع لمدة 8 سنوات، وحتى انتهاء أعمال الترميم في عام 2010، وبدأ العمل في إنارة المعبد تمهيدا لافتتاحه حتى قامت الثورة في يناير (كانون الثاني) 2011، ويجيء من يعلن عن افتتاح المعبد، وينسى من قاموا بكل العمل وليس جزءا منه.. ويصير حالنا على هذا النسق: واحد يعمل وواحد يفتتح.