المعارضة الكويتية تخرق الدستور عند مطالبتها بحكومة شعبية!

TT

بعد مظاهرة صاخبة، صارت المعارضة الكويتية وبينها «الإخوان المسلمون»، تشتكي لأن الحكومة منعتها من التظاهر في الأمكنة التي تريد، وحددت لها ساحة «الإرادة» أمام مبنى البرلمان. ما يجب لفت نظر المعارضة الكويتية له، أن تركيا البلد النموذج، الذي يقول «الإخوان المسلمون» إنه مثلهم الأعلى، منعت حكومتها الشعب التركي من الاحتفال بأهم يوم وطني في تركيا وهو عيد تأسيس الجمهورية الذي صادف يوم الاثنين 29 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، واعتبرت حكومة رجب طيب أردوغان كل التجمعات غير شرعية - لكن الأتراك أصروا على التجمع والتحدي بالاحتفال أمام مبنى البرلمان حتى قبر المؤسس كمال أتاتورك - وهدد رئيس بلدية أنقرة بإنزال رجال الشرطة لمواجهة المتظاهرين، وأن تحقيقات قضائية ستفتح ضد كل من سيشارك (ملاحظة: المعروف أن رئيس الدولة التركية اسمه الكامل عبد الله جمهور غل، لأنه ولد في يوم الجمهورية عام 1950).

لقد تغيرت خريطة المعارضة الكويتية بعد الغزو العراقي، فبرزت تيارات وقوى سياسية جديدة أهمها السلفيون. «الإخوان» كانوا موجودين قبل الغزو (جمعية الإصلاح) وبعد الغزو أسسوا «الحركة الدستورية الإسلامية» (حدس) وكانت تلك أول مرة يؤسسون فيها فرعا سياسيا لتنظيمهم. ولأن الأحزاب ممنوعة في الكويت، كانت «حدس» مداورة على القانون، تماما كاليسار الليبرالي (المنبر) مجموعة عبد الله النيباري وسامي المنيس. بينما شكلت القوى الليبرالية والوسط والقريبون من اليسار «التحالف الوطني». وصارت للشيعة أيضا قوائمهم وحركاتهم.

كان العنوان الرئيسي للمعارضة في المظاهرات الأخيرة، الاعتراض على قانون الانتخاب، كمطلب آني ومرحلي، لكن الهدف النهائي بالنسبة للمعارضة، وحسب ما تعلن، هو تحويل الكويت إلى إمارة دستورية، أي حكومة شعبية، بمعنى أن الذين ينالون الأغلبية في البرلمان يشكلون الحكومة، وتناست المعارضة أن لا أحزاب في الكويت، وليس بين نوابها من هو ملزم ببرنامج حزب أو فاز على أساسه. ففي الصيغة القانونية، يخوض المرشحون الانتخابات بشكل فردي، وقلة تترشح على قائمة «حدس» أو على قائمة أخرى، وهكذا، فإن التكتلات التي تشكل في الكويت لديها توجهات متعددة وأهداف متفرقة وتطلعات مختلفة وطموحات قد تكون متضاربة.

بعد حل مجلس النواب 1986، جرى تعيين «المجلس الوطني» عام 1990 قبل الغزو بأشهر، وظلت الحياة السياسية معلقة، وشهدت الكويت آنذاك موجة ما يسمى «دواوين الاثنين».. انتشرت بكثرة قبل الغزو العراقي بأقل من سنة تقريبا، وصارت الاجتماعات تتنقل بين دواوين نواب سابقين نشط بينهم على الأخص أحمد السعدون، وهناك اعتقاد لدى بعض الكويتيين بأن فورة الدواوين وما دار فيها، كانت أحيانا تُفض بالقوة، وشكلت جزءا من الأسباب التي جعلت صدام حسين يعتقد أن بإمكانه اللعب على التناقضات في الكويت. طبعا يشهد للكويتيين كيف صاروا صفا واحدا وكلمة واحدة، ولم يجد صدام حسين كويتيا واحدا يتعاون معه.

تلك الدواوين التي كانت أكثر انضباطا مما هي عليه الحالة الآن، صارت جزءا من «النوستالجيا» بالنسبة للمعارضة اليوم، كانت تطالب باستئناف الحياة البرلمانية كعنوان، لكن مع تشعبات كثيرة، تماما كما يجري اليوم.

التحول الغريب الذي حدث في الكويت بدا جليا في أقطاب المعارضة بين الأمس واليوم، من أحمد الخطيب وسامي المنيس رموز معارضة الأمس، إلى وليد طبطبائي ومحمد هايف (إسلاميين) من رموز معارضة الحاضر.

يعود جزء من هذا التغيير إلى أسباب إقليمية أيضا، وهو صعود المد الإسلامي الأصولي في شقيه السني والشيعي، ومما لا شك فيه أن ثورة آية الله الخميني أثرت على الشيعة في الكويت، فأصبح بعض منهم أكثر تسيسا وأكثر أصولية.

حسب رواية بعض النخب الكويتية من تجار وليبراليين، فإن ما جرى ويجري في الكويت سببه الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها حكومة الكويت في أواخر الستينات من القرن الماضي وبداية السبعينات، فهي اعتمدت على حركة تجنيس لإضعاف المعارضة اليسارية والقومية، على أساس أن «البادية»، مضمونة الولاء. اللافت اليوم أن رأس الحربة في المعارضة هم سكان المناطق «الخارجية»؛ البادية وبعض الإسلاميين؛ وبالذات «الإخوان المسلمون» وبعض الليبراليين.

كما أن جزءا من المشهد الكويتي الحالي يعود لأسباب داخلية محضة، ولا علاقة له بالربيع العربي، الحراك سبق الربيع العربي بسنوات، وقمة التأزيم بدأتها المعارضة عام 2006 مع حكومة الشيخ ناصر محمد الأحمد الصباح، الذي رأت فيه شخصية منفتحة مثقفة وقادرة على استيعاب كل الأطياف والمذاهب في الكويت في وقت كانت فيه الحدة المذهبية في بعض الدول المجاورة على أشدها، فاستطاع كسب ثقة مجموعات لا يثق بعضها ببعض.. حاول أن يقضي على فتيل الاشتعال، لم تجد المعارضة بدا إلا بعرقلة حكومته وبرامجها والطعن في مصداقيته وقدراته، وظلت تضج حراكا وصراخا مع كل حكومة يشكلها، ولما فشلت، حاولت السير نحو منزله. وظهر لاحقا الهدف الحقيقي لبعض وجوه المعارضة بعد تخليه عن منصب رئاسة الوزراء من خلال نوعية التصعيد الذي اعتمدته كل المعارضة لاحقا في المظاهرات والتنديدات التي وصلت إلى أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح.

أما الذي حصل مع الربيع العربي، فكان محاولة استغلال زخمه لإلحاق الكويت بالحالة الربيعية، وهنا «مربط الخيل» كما يقولون.

لم يكن «الإخوان» الوحيدين الذين استفادوا من هذا الوضع، فالصوت الأبرز والأعلى الآن هو لشخصيات غير محسوبة على «الإخوان»، مثل مسلم البراك وأحمد السعدون. هؤلاء يقولون إن حركتهم تقوم فقط على حماية الدستور.. بعضهم يتمتع بقاعدة شعبية، إنما يحيط بالحركة صخب اجتماعي. الغريب أنهم مثل «الإخوان» يطلبون التمسك بالدستور الذي ينص على أن الأمير هو من يعين الحكومة (منتهى التناقض) ويشير إلى عدم المس بالذات الأميرية.. وحول هذا يرى مسلم البراك أنه من الصعب إمساكه قانونيا في هذه النقطة بالذات، لكنه يتجاهل الخطبة النارية الموجهة للأمير التي ألقاها، والمهرجان والنبرة والصوت!

المشكلة التي قد يتجاهلها البراك الذي حصل على أعلى نسبة من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، أنه يمكن أن يشكل حالة معينة في الكويت لكن ليس لديه أي ثقل خارجها، فالحركة الوحيدة المنظمة والتي لها امتداد دولي هي «الإخوان»، فهم يشكلون جزءا من سياق إقليمي ودولي وينتمون إلى تنظيم مرتبط بعضه ببعض. وقد ظهر هذا جليا في تونس ومصر، وتأكد أن للتنظيم لغتين وخطابين. ومع صعود الحالة «الإخوانية» في تونس ومصر، بدأت محاولة «إخوانية» لبناء حالة كويتية أيضا.

يشكل «الإخوان» الكويتيون جزءا أساسيا في معادلة المعارضة، وهذا الأمر مقلق في ظل صعود «الإخوان» إقليميا ودوليا وفي ظل تصريح «الإخوان» أنفسهم بأنهم يريدون بناء «حالة أممية».

فقد أكد مرشد «الإخوان» في مصر محمد بديع، أن «الإخوان» بصدد تحقيق «الأستاذية على العالم» وهذه العبارة في الأصل لحسن البنا الذي قال «إن رسالة الإخوان الأساسية أستاذية العالم» وها هو المرشد بديع يستعير تلك العبارة.

ومما قاله أحد أبرز خطباء الإسلام السياسي صفوت عبد الغني، في مهرجان انتخابي بحضور محمد مرسي الرئيس المصري، والمرشد وكل قيادات «الإخوان»، أن «مرسي ليس رئيسا لمصر فقط؛ بل رئيسا للولايات المتحدة الإسلامية».

كل هذه الوقائع تجعل بقية الدول تشعر بالقلق من زحف تنظيم لديه فكرة «تصدير الثورة» تماما مثل الإمام الخميني في إيران؛ إنما بنسخة سُنّية وأكثر تسيسا.. قد تكون الأساليب مختلفة؛ إنما النتيجة واحدة.