انفجار «الأمن القومي».. الأول آصف شوكت.. فمن هو الثاني؟!

TT

الملاحظ، بل اللافت، أن نظام بشار الأسد بعد حادثة تفجير مبنى الأمن القومي في الثامن عشر من يوليو (تموز) الماضي التي قتل فيها ثلاثة من كبار المسؤولين هم: وزير الدفاع داود راجحة ونائبه آصف شوكت ورئيس خلية الأزمة حسن تركماني، ورئيس مكتب الأمن القومي الذي تم تفجيره هشام بختيار، قد انتقل بحربه ضد شعبه من مرحلة سابقة إلى مرحلة جديدة أكثر عنفا وأشد حقدا وأشرس دموية.

قبل هذا التاريخ المشار إليه، أي الثامن عشر من يوليو، وكان قد مضى على هذه الحرب الهمجية المدمرة نحو ستة عشر شهرا، كانت الطائرات المقاتلة من طراز «ميغ» لم تستخدم بعد في العمليات الحربية وكان استخدام سلاح الجو يقتصر على المروحيات وليس على نطاق واسع، كما كانت المدافع الثقيلة لم تظهر في ميادين القتال إلا في حالات قليلة ونادرة، وكذلك الأمر بالنسبة لراجمات الصواريخ، وكان الشائع في الاستخدام هو مدافع «المورتر» (الهاونات) على مختلف أصنافها وأنواعها، وكانت سياسة الأرض المحروقة لم تتبع بعد بهذه الطريقة الوحشية.

وهنا فلربما يعتقد البعض أن المسألة تعود للاستبدال بوزير الدفاع السابق داود راجحة، الذي يقال، وهذا شبه مؤكد، بأنه لم يكن يرغب في هذا المنصب الذي كان تعيينه فيه بقصد زج المسيحيين السوريين في الصراع المحتدم في سوريا إلى جانب بشار الأسد، وزير الدفاع الجديد العماد فهد جاسم الفريج، لكن هذا الاعتقاد لا يلبث أن يستبعد نهائيا إذا عرفنا أن هذا المنصب في سوريا منذ حركة حافظ الأسد «التصحيحية» في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970 لا قيمة له إطلاقا، وأنه حتى «العماد» مصطفى طلاس الذي كان من أقرب المقربين للرئيس السوري السابق والذي كان يعتبر الرقم الثاني في معادلة هذه الحركة «التصحيحية» كان مجرد واجهة فقط، وأنه لم يكن يعرف عن شؤون «الجيش العربي السوري» أي شيء، وأنه كان ينشغل لطرد السأم عن نفسه بتأليف الكتب السياسية!! وغير السياسية.

ربما أن وزير الدفاع الجديد وقد رأى تلك النهاية التي انتهى إليها سلفه داود راجحة، قد تعلم «الحكمة» مما حصل في حادثة تفجير مبنى الأمن القومي فتحول بمجرد تسلم هذا الموقع «المهم» إلى وحش بشري وبات، لإثبات ولائه لرئيسه القائد الذي لم يَجُدْ الزمان بمثله، يخص المسلمين السنة بقسوة مميزة وزائدة، لكن في حقيقة الأمر أن هذا ليس هو السبب الفعلي والحقيقي للانتقال بالحرب المسعورة التي يشنها بشار الأسد على شعبه بدءا من اليوم التالي للثامن عشر من يوليو الماضي من مرحلة سابقة إلى مرحلة جديدة تميزت بكل هذا الذي جرى والذي لا يزال يجري خلال كل الشهور التي أعقبت هذا التاريخ الآنف الذكر المشار إليه.

هناك الآن معلومات تتحدث عن أن الجيش السوري الحر قد تسرع في تبني عملية تفجير مبنى الأمن القومي وأن الحقيقة التي تؤكدها أوساط على معرفة بما يدور داخل حلقة الحكم المغلقة أن مذبحة الثامن عشر من يوليو الماضي هي «تصْفية» ككل التصفيات التي شهدها التاريخ البعيد والقريب ومثلها مثل تلك المذبحة المرعبة التي كان نفذها صدام حسين في عام 1979 ضد كبار القياديين في حزب البعث الذي كان حاكما في العراق في ذلك الحين لاعتقاده بأنهم كانوا يتآمرون ضده ولقناعته بأنه لن يستطيع الانفراد بالحكم ما لم يتخلص منهم كما تخلص من ابن خاله وشقيق زوجته عدنان خير الله طلفاح وكما تخلص لاحقا من الرئيس العراقي السابق أحمد حسن البكر.

تقول هذه الأوساط، التي تنتسب للطائفة العلوية التي ظلمت كثيرا بتحميلها مسؤولية كل هذه الجرائم التي يرتكبها بشار الأسد والتي كان ارتكبها والده الرئيس السابق حافظ الأسد في حماه في عام 1982 وقبل ذلك وبعد ذلك، إن اثنين من ضحايا حادثة الثامن عشر من يوليو الماضي، التي لم يتم التأكد بعد مما إذا كانت انفجارا أم تصفية بطريقة أخرى، قد بقيا يعارضان التمادي في استخدام القوة المفرطة وبقيا يضغطان في اتجاه إمكانية التوصل إلى حل «معقول» من خلال المرحلة الانتقالية التي بقيت مطروحة منذ البدايات والتي لا تزال مطروحة حتى الآن، مما جعلهما موضع شكوك من قبل دائرة الحكم الضيقة المغلقة التي تضم الرئيس وشقيقيه وأبناء أخواله من عائلة مخلوف وأهم هؤلاء حافظ مخلوف الذي كان حتى بوجود آصف شوكت وحتى بوجود هشام بختيار هو الآمر الناهي بالنسبة لكل القضايا الأمنية الحاسمة، وأيضا بعض الذين ينتسبون إلى عائلة «شاليش».

وتذهب هذه الأوساط إلى أن بعض الشبهات قد حامت حول أن آصف شوكت، الذي لم يكن في حقيقة الأمر يتولى أي مسؤولية فعلية، كان على اتصال ومعه أحد الثلاثة الآخرين، أي داود راجحة وهشام بختيار وحسن التركماني، بالفرنسيين، وأنه كان مع المرحلة الانتقالية ومع رحيل بشار الأسد والتخلص من شقيقيه ومن أبناء عائلة مخلوف من أخواله مقابل الاحتفاظ بالحكم في الطائفة العلوية ومقابل انتقال سلمي للسلطة على المدى الأبعد!!

وحقيقة أن المعلومات كانت تتحدث دائما وأبدا عن أن آصف شوكت كان صاحب طموحات كبيرة، خاصة بعد رحيل الأسد الأب، وأنه لم يكن مقتنعا، ومعه زوجته بشرى التي بعد مقتل زوجها في حادثة تفجير مبنى الأمن القومي اختارت الرحيل والعيش مع أطفالها في دولة الإمارات العربية، بأن بشار الأسد يستحق هذا المنصب الذي احتله في غفلة من الزمن، وأن نهاية هذا الحكم الذي استمر لأكثر من أربعين عاما ستكون على يديه ومعه أبناء أخواله من عائلة مخلوف.

وهنا أيضا، فإن هذه الأوساط تتحدث عن أنه كان للمخابرات الروسية، التي زار رئيسها ميخائيل فرادكوف دمشق مرات عدة قبل انفجار مبنى الأمن القومي، دور رئيسي في كشف علاقة آصف شوكت ومعه أحد الثلاثة الآخرين الذين قُتلوا في هذا الانفجار بالفرنسيين، وبالتالي بالأميركيين، وبالتالي، فإن سبب هذا التصعيد الجنوني الذي أعقب حادثة الثامن عشر من يوليو هو هذا السبب وليس غيره.

إن هذا ما تقوله هذه الأوساط المشار إليها وهي أوساط بالإمكان الثقة بما تقوله، فهي أولا من الطائفة العلوية التي يجري تحميلها الآن ومن دون وجه حق كل الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها هذا النظام إنْ في عهد الأب وإن في عهد الابن، وهي ثانيا على صلة ببعض رموز المجموعة الحاكمة التي بات واضحا أنها لن تتخلى عن الحكم حتى ولو لم يبقَ حجر على حجر في سوريا كلها.

ثم وإن ما يعزز هذه الرواية أيضا هو أن هذا النظام بقي على مدى أكثر من أربعين عاما نظام تصفيات واغتيالات؛ فخلال هذه السنوات جرى اغتيال محمد عمران الذي كان يعتبر من أهم ضباط الجيش السوري ومن أهم رموز الطائفة العلوية، كما جرى اغتيال غازي كنعان، وقبله الإبقاء على اللواء صلاح جديد في زنزانة انفرادية إلى أن مات خلف الأبواب المغلقة، والمعروف أيضا أن الدكتور إبراهيم ماخوس قد تعرض لسلسلة من محاولات الاغتيال في الجزائر التي لجأ إليها بعد حركة حافظ الأسد التصحيحية.