لا يوجد في السعودية!

TT

الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري من أهم علماء التراث والتاريخ في السعودية.

من المجالات التي شغلت الأستاذ الأنصاري تاريخ البحر الأحمر، السياسي والاقتصادي والثقافي، وقد كتب قبل أيام في جريدة «المدينة» السعودية، مقالا لافتا حول هذه المسألة، عنوانه «صحوة البحر الأحمر».

ومما جاء في هذا المقال أن الأنصاري قرأ خبرا في جريدة «المدينة» يتحدث عن أن هيئة المساحة الجيولوجية السعودية سوف تنظم ورشة عمل فنية متخصصة لإعداد كتاب عن البحر الأحمر بمشاركة 58 عالما ومفكرا من المملكة وعدة دول عربية وصديقة لمناقشة 38 بحثا متخصصا عنه.

هو تساءل عن مصير هذا العمل، وكيف صنع، ثم، وهذا هو جوهر الشاهد هنا، أشار إلى أن البحر الأحمر يعد: «منفذا يربط الجزيرة العربية بأفريقيا وعبرها إلى أوروبا، وعن طريقه انتقلت عدة مجموعات بشرية فيما بين جنوب شرقي أفريقيا وجنوب الجزيرة العربية، وبالتالي شهدت هاتان المنطقتان الواقعتان في غرب البحر الأحمر وشرقه تبادلا حضاريا منذ فجر التاريخ مرورا بعصور ما قبل الإسلام، ثم خلال العصور الإسلامية (..) فالبحر الأحمر كان واسطة التبادل الحضاري بين العرب وأفريقيا، وكان الحرمان الشريفان بخاصة، والحجاز واليمن بشكل عام، أكثر المناطق التي استفادت من العلاقات علميا واقتصاديا وسكانيا».

ثم خرج بهذه الخلاصة من خبير: «أشعر أن البحر الأحمر يستحق أن ينشأ له مركز يختص بدراساته من النواحي التاريخية والجغرافية والآثارية والبيئية ليصبح مرجعا للدارسين، وخاصة أن الأعداء يتربصون بنا من الشمال والوسط والجنوب».

ما تحدث عنه الأستاذ الأنصاري لا ريب فيه، والحاجة ماسة إليه، من أجل بناء «ذخيرة» من الخبرات والآراء المتخصصة حول هذا الممر المائي الخطير الذي يغطي كل الساحل الغربي السعودي، تقابلت فيه أفريقيا وقرنها، ومصرها وسودانها، وتقبع على رأسه إسرائيل والأردن.

أود أن أضيف إلى هذا المقترح المفيد، لفت النظر إلى فقر الخبرات السعودية والخليجية في أكثر من مجال حيوي يتعلق بالمصالح العليا للدولة السعودية، وتشييد الرأي الحصيف والنصيحة المتأنية المبنية على تخصص وتعمق في الموضوع ذي الصلة.

مثلا، دولة كالسعودية، لا نكاد نعرف في مجتمعها من يقدم بوصفه خبيرا «حقيقيا» في الشؤون الإيرانية، لغة وتاريخا وحاضرا، وحتى في الأزياء والطعام والفن، أي الثقافة كلها، ومثل ذلك في شؤون اليمن والعراق وبلاد الشام، وتركيا، لاحظ أننا نتحدث عن الحزام القريب، وليس عن دول بعيدة، وإن كانت مؤثرة بقوة مثل أميركا وروسيا والصين وفرنسا والهند واليابان.

أين أصحاب الرأي والخبرة في هذه الأمور، خبراء تقام لهم المراكز المتخصصة، وتعين لها الميزانيات الكافية، سواء من الحكومة أو بالشراكة مع القطاع الخاص في جانبه البحثي.

ما يقال عن السعودية، يقال أيضا عن بقية دول الخليج المقتدرة، وحديثنا هذا لا يعني أنه لا يوجد «أفراد» على مستوى رفيع من التأهيل والخبرة، ولكن نتحدث عن «مأسسة» لهذا المجال، عوض السيل الهادر من الحديث المرسل.

و«الرأي قبل شجاعة الشجعان».

[email protected]