أدوية خفض الكولسترول.. فوائد تقدر بالتريليون

TT

حينما تناول الحديث في مقال الأسبوع الماضي التكاليف المادية الباهظة للأمراض، وكيفية قراءة هذه الأرقام المُقدرة بالمليارات، كان القصد هو توجيه الأنظار نحو أن ما يقف أمام المليارات هو مليارات أمثالها. ولئن كانت جمعية القلب الأميركية قد أشارت إلى أن الكلفة المادية المباشرة وغير المباشرة لأمراض القلب تتجاوز 503 مليارات سنويا في الولايات المتحدة، دون بقية أرجاء العالم، فإن «أرباح» القيام بمعالجة أمراض القلب ومعالجة مسبباتها وعوامل خطورة الإصابة بها هي «فوق الوصف».

أمراض القلب وصف يطلق على مجموعة من الأمراض التي تصيب تراكيب القلب، أي الشرايين التاجية والصمامات، واضطرابات كهرباء القلب، وضعف عضلة القلب، وغيرها. وأمراض شرايين القلب لها مسببات وعوامل ترفع من احتمالات خطورة الإصابة بها، مثل اضطرابات الكولسترول وارتفاع ضغط الدم ومرض السكري والتدخين وغيرها.

وتشمل اضطرابات الكولسترول المتسببة بأمراض الشرايين التاجية ارتفاع نسبة الكولسترول الخفيف وانخفاض نسبة الكولسترول الثقيل وارتفاع الدهون الثلاثية. وإحدى أهم وسائل ضبط اضطرابات ارتفاع الكولسترول الخفيف هو تناول أحد أنواع أدوية مجموعة ستاتين. واليوم يتجاوز حجم سوق مبيعات أدوية خفض الكولسترول، وتحديدا أدوية ستاتين دون غيرها، عشرات المليارات سنويا، وكان أحد أنواع أدوية ستاتين قد حقق لأول مرة في التاريخ في عام 2004 اختراق حاجز مبيعات عشرة مليارات سنويا.

ولعل أحدنا يسأل: ثم ماذا؟ والجواب: نحتاج إلى «تحليل اقتصادي» اليوم في عالم الطب. وعالم الطب والمعالجات بأنواعها الدوائية والغذائية والجراحية وتغيير سلوكيات نمط الحياة اليومية، يجب أن تخضع لشيء من الوزن والتقييم، لأننا إزاء تزايد ارتفاع التكاليف المباشرة لمعالجات الأمراض، وإزاء تزايد ارتفاع التكاليف غير المباشرة للأمراض وتبعات إصابة المرضى بها، نحتاج لأن نستخدم التحليل الاقتصادي لتوجيه البوصلة في أولويات المعالجة وأولويات الإنفاق فيها للطاقات المادية والخبرات الطبية البشرية والمنشآت العلاجية والجهود التعليمية والاختيارات للتخصص وغيرها.

نعود إلى أدوية الستاتين وأيدينا على محفظة النقود لضبط الإنفاق وتحصيل الأرباح وتوجيه الاستثمار المستقبلي نحو ما يُقلل تكلفة الرعاية الصحية. وفي جانب الاستثمار المستقبلي وتحصيل الأرباح وضبط الإنفاق، فإن أدوية ستاتين تحقق لنا المطلوب و«زيادة». ولذا حينما تحرص إرشادات الهيئات الطبية العالمية المعنية بصحة القلب على خفض ارتفاع الكولسترول الخفيف والاستعانة بأدوية ستاتين، فإنها على صواب. ولذا أيضا حينما تحرص الهيئات العالمية المعنية بتحقيق جودة تقديم الخدمة الطبية، مثل اللجنة الدولية المشتركة JCI، على وضع «وصف الطبيب لمريض النوبة القلبية» أدوية ستاتين، ضمن قائمة أدويته عند خروجه من المستشفى، كأحد «مؤشرات الأداء»، فإنها تسعى لضمان تحقيق هذا الهدف.

ووفق ما تم نشره في عدد أكتوبر (تشرين الأول) من مجلة «الشؤون الصحية» HEALTH AFFAIRS، للباحثين من كلية الطب بجامعة هارفارد، فإن تناول المرضى خلال الفترة ما بين 1997 و2008 لأدوية ستاتين بالولايات المتحدة وحدها فقط قد أدى إلى «ربح صافٍ للمستهلكين» consumer surplusفي «كلفة الوفيات» mortality benefits بما يفوق 975 مليار دولار. وبشيء من التفصيل، فإن تناول أدوية ستاتين لخفض الكولسترول منع إنفاق نحو 5 مليارات لمعالجات حالات نوبة الجلطة القلبية والسكتة الدماغية في عام 2007 وحده وبالولايات المتحدة وحدها. وذلك عبر حماية أرواح 40 ألف شخص من الوفاة ضمن ما هو متوقع حصوله، وأكثر من 60 ألف إدخال إلى المستشفى بنوبة الجلطة القلبية، و22 ألف حالة من السكتة الدماغية. وأضاف الدكتور ديفيد غاربويسكي، الباحث الرئيس بالدراسة، بالقول: «لو وسعنا حساب هذه (الجدوى الاجتماعية) social value لتشمل أيضا الـ27 دولة ضمن الاتحاد الأوروبي فإن المبلغ يرتفع بمقدار نحو النصف»، أي إلى تريليون ونصف!.

ولو أضفنا أن «المسح الإحصائي القومي للصحة والتغذية» بالولايات المتحدة يقول لنا في نتائجه إن نحو 38 مليون أميركي بالغ يتناولون أدوية ستاتين وإن ثمة 20 مليونا آخرين لديهم ارتفاع في الكولسترول ولا يتناولون له أي علاج، فإننا نتصور حجم فائدة مادية أكبر على المستوى القومي للأمة الأميركية وحدها.

وطريقة حساب هذه «الجدوى الاجتماعية» كان باستخدام ما يُعرف بـ«معدل استفادة إطالة البقاء على قيد الحياة» وهو البالغ 14,7 سنة وفق نتائج دراسة غرب اسكوتلندا الوقائية West of Scotland Prevention Study. وقيمة الربح في «جدوى البقاء على قيد الحياة» مبنية على قيمة فائدة الحياة لمدة سنة life - year being worth والمقدرة بنحو 150 ألف دولار. وأفادتنا النتائج وفق عمليات حسابية معقدة، أن قيمة الجدوى الاجتماعية بمقدار 1,2 تريليون دولار. وبطرح الكلفة المادية السنوية لأدوية ستاتين البالغة 305 مليارات دولار، نتجت الفائدة الكلية والمقدرة لدى الباحثين بمبلغ 975 مليار دولار. هذا في جانب واحد من مسببات أمراض شرايين القلب، ونوعية أدوية تعتبر من الباهظة الثمن، ومع ذلك فجدواها المادي عالية، فما بالنا بأدوية أرخص بكثير وأعظم جدوى، كالأسبرين لأمراض الشرايين، أو أدوية علاج الملاريا في الدول التي تتفشى فيها، أو أبسط من هذا كله، الجدوى المجانية للحرص على ضبط وزن الجسم وممارسة الرياضة البدنية بشكل يومي.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]