الإعلام الجديد وضوابط جديدة.. حتى لا يصبح قوة من دون مسؤولية

TT

أثبت الإعلام الجديد في العصر الرقمي أنه قوة فعالة لا يستهان بها في التغيير والتأثير على الأفراد والمجتمعات والدول، ولكن قبل أن يصبح هذا الإعلام قوة من دون مسؤولية اجتماعية، أصبح هناك ضرورة عاجلة لوضع ضوابط وتشريعات جديدة من شأنها تنظيم آلياته وفعالياته وأدواره المتسارعة والمتزايدة.. ففي الآونة الأخيرة بدأ البعض يسيء استخدام الحرية المتاحة على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، مثل «فيس بوك»، و«تويتر»، من خلال نشر معلومات مضللة أو تغريدات مسيئة تتعمد إهانة أو إساءة شخصيات أو مؤسسات في الدولة، الأمر الذي يؤدي إلى عواقب وخيمة تضر بالصالح العام، ويثير علامات استفهام وتساؤلات مشروعة حول حرية الإعلام والتعرض لخصوصيات الآخرين، وحدود المسؤولية والمساءلة والعقوبات المطلوبة.

خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، طالعتنا جريدة «الشرق الأوسط» على صفحتها الأخيرة، بعددها الصادر في 18 أكتوبر الحالي، بخبر عنوانه «شاب ألماني ينتحر بسبب فشل حفلة (فيس بوك).. ألغى دعوة وجهها خطأ فأثار غضب المدعوين»، فقد أراد شاب ألماني عمره 18 عاما الاحتفال بعيد ميلاده في حفل جماعي ينظمه في المدينة، عبر شبكة أصدقائه على الإنترنت، ولكنه لم ينتبه إلى أنه وزع دعوة مفتوحة على موقع «فيس بوك»، وتلقى أكثر من 5000 موافقة على حضور الحفل، وعندما ارتعب الشاب من عدد الحضور قرر تصحيحا للخطأ، فألغى الحفل تماما، ووزع خبرا بهذا على موقع «فيس بوك»، لكنه فوجئ بورود رسائل الشتم والتهديد الإلكترونية التي أصابته بحالة اكتئاب، فألقى الشاب بنفسه تحت عجلات القطار.

وأيضا، خلال شهر أكتوبر الماضي، أصدرت محكمة بريطانية حكما بالسجن 3 أشهر على شاب بريطاني عمره 20 عاما، نشر تعليقات جارحة ومسيئة على موقع «فيس بوك»، حول طفلة بريطانية مفقودة عمرها 5 سنوات. كما أصدرت محكمة بريطانية في شهر مارس (آذار) الماضي، حكما بالسجن 56 يوما على طالب جامعي، عمره 21 عاما، بسبب نشره تعليقات على موقع «تويتر»، اعتبرت عنصرية وعدائية، بشأن لاعب كرة القدم فابريس موامبا، لاعب نادي بولتون الإنجليزي، حيث سخر الشاب من الأزمة القلبية التي تعرض لها اللاعب خلال مباراة نادي بولتون أمام نادي توتنهام.

كما أن جريدة «اليوم» السعودية، طالعتنا على موقعها الإلكتروني في 15 سبتمبر (أيلول) الماضي، بأن إحدى المحاكم أصدرت حكما قضائيا على شاب عمره 25 عاما، ثبت أنه شهر بمواطن عبر شبكة «تويتر»، بسجنه 4 أشهر، وبغرامة مالية مقدارها 10 آلاف ريال، وذلك بسبب خلاف سابق بينهما.

هذه الأمثلة وغيرها، تشير إلى أنه بدعوى حرية الإعلام والرأي والتعبير، أساء البعض استخدام مساحة الحرية المتاحة عبر وسائل الإعلام الجديد مثل المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، فرغم الآفاق الواعدة لوسائل الإعلام الجديد في سرعة الوصول والتواصل ونقل الأفكار والآراء الجادة، لكن البعض قد أساء استخدامها وأصبحت منافذ مقلقة ومهددة للأفراد والمؤسسات والهيئات والصالح العام، من خلال نشر معلومات غير صحيحة ومضللة للرأي العام أو لتحقيق مصالح شخصية، أو لزعزعة الأمن والاستقرار العام في الدولة، الأمر الذي يتطلب الإسراع في وضع ضوابط وتشريعات عاجلة، حتى يكون مستخدمو مثل هذه المنافذ الإعلامية الجديدة على قدر كبير من المسؤولية الاجتماعية.

ومثل هذه المخالفات والتجاوزات المسيئة التي يمارسها البعض عبر وسائل الإعلام الجديد، تطرح وتثير العديد من التساؤلات المشروعة حول إعادة هيكلة وتنظيم الفضاء الإلكتروني، ومن بين هذه الأسئلة: هل أصبح هناك ضرورة لوجود جهة أو كيان أو كيانات جديدة لمراقبة ومتابعة ومعالجة كل ما هو مطروح عبر وسائل الإعلام الجديد بطريقة مناسبة وفي الوقت المطلوب، ومحاسبة كل من يتسبب في أي مخالفات أو تجاوزات؟ وإلى أي مدى يمكن تطبيق قانون طلب المواد المنشورة على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي؟ وما هي الأدوار الجديدة لوزارات الداخلية والإعلام والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بشأن وسائل الإعلام الجديد؟ وهل العقوبات والتشريعات الحالية بشأن إساءة استخدام المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي كافية لمعاقبة المخالفين وردع الآخرين؟ وهل أصبح هناك ضرورة لوضع ضوابط جديدة تنظم المواقع الإلكترونية للتغلب على المواقع مجهولة الهوية والمصدر، والتي تتجاوز المهنية الإعلامية وتضر بالصالح العام؟ وهل القوانين الحالية الخاصة بجرائم المعلوماتية كافية أو أنها في حاجة إلى مراجعة لمواجهة تحديات وسائل الإعلام الجديد، لردع أي استخدام غير شرعي للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي؟

تنظيم الإعلام الجديد بات ضرورة عاجلة، ويجب ألا يفهم منه أنه تقييد للحريات أو تكميم للأفواه، وإنما هو بهدف حماية الأشخاص والمجتمع ومؤسسات الوطن والصالح العام، وحتى لا يصبح هذا الإعلام قوة من دون مسؤولية، كما يجب التأكيد على أهمية تضافر جميع الجهود الفردية والمجتمعية نحو نشر ثقافة الوعي بالمسؤولية والمحاسبة تجاه استخدام وسائل الإعلام الجديد، وأهمية تربية أبنائنا منذ الصغر على المسؤولية والمساءلة، حتى لا تتحول الأخطاء التي نظنها صغيرة إلى مشاكل وكوارث كبيرة، إذا تجاوزنا عنها ولم نسارع بإصلاحها في الوقت المناسب ومحاسبة ومعاقبة المتسببين فيها.