ما يخفيه شعار أوباما

TT

مع استمرار الشعارات السياسية يبدو شعار «جنرال موتورز حية.. وأسامة بن لادن ميت» أمرا رائعا حقا. يحيي هذا الشعار في عقول الناخبين إنجازان أراد الرئيس باراك أوباما بشدة منهم أن يتذكروهما خلال محاولته نفي اتهامات رومني له بسوء إدارة الاقتصاد وإظهار الضعف الخارجي.

يبدو أن حملة أوباما لم تدرك أنها تكرر شعارا ساعد تيودور روزفلت في الفوز في انتخابات عام 1904. حينئذ كان الشعار «بيرديكاريس حيا أو الرايسوني ميتا».

صاغ الشعار وزير خارجية روزفلت، جون هاري، وقرأه أمام تجمع الحزب الجمهوري في شيكاغو رئيس مجلس النواب جوي كانون، وقد أثارت الكلمات الوفود، بحسب المؤرخ باربارا توكمان.

تم تقديم النسخة الروائية من القصة الكامنة في فيلم «الريح والأسد» عام 1975، بطولة شين كونري وكانديس بيرغين. كان آيون بيردكاريس رجل أعمال ثريا يعيش في طنجة، وتعرض للخطف من قبل القرصان الرايسوني (الذي يوصف اليوم بالإرهابي). اختار روزفلت تحويل الحدث إلى أزمة. دعم طلبه «بيردكاريس حيا أو رايسوني ميتا» بعدد من الزوارق الحربية وفرقة من مشاة البحرية، وتمكن في النهاية من الإفراج عن بيردكاريس.

غمرت موجة من الوطنية أيقظها هذا الشعار وفود الحزب الجمهوري في شيكاغو، الذين كانوا أقل حماسة تجاهه في السابق، ليرشحوه بإطلاق الهتافات المؤيدة له. وبعد تحرير بيردكاريس انتصر روزفلت انتصارا كاسحا.

لكننا نعلم الآن ذلك كضوء ساطع، أن شعار روزفلت كان يحمل غموضا على الأقل بقدر ما هو واضح. فبعد عقود، وبعد الإفراج عن السجلات المتعلقة بتلك الحادثة، تم الكشف عن أن بيردكاريس لم يكن مواطنا أميركيا عندما تم اختطافه، ومن ثم لم يكن مستحقا لحماية حكومة الولايات المتحدة. ليس ذلك فقط، بل إن روزفلت كان يعلم بيردكاريس هذا عندما تم تصعيد الأزمة وقرر حجب الحقيقة عن الشعب الأميركي.

إضافة إلى ذلك فإن التهديد الضمني في الشعار لم يكن موجها لرايسوني القرصان، بل إلى سلطان المغرب. كان المطلب الحقيقي لروزفلت أن يدفع السلطان الفدية التي كان يطلبها الرايسوني، أو مواجهة عمل عسكري أميركي. تحرك السلطان لتحرير بيردكاريس بدفع الفدية، ليس تحديدا ما قد يعتبره البعض اليوم ردا شجاعا على الإرهاب.

بالنظر إلى ما أخفاه شعار روزفلت، ربما يبدو من الحكمة النظر إلى ما هو خافٍ في شعار حملة أوباما. من المؤكد أن هناك شيئا واحدا غامضا في شعار «جنرال موتورز حية وبن لادن ميت»، وهو أنه رغم مصرع أسامة بن لادن، فإن «القاعدة» لا تزال نشطة دون شك. والشكوك بأن إدارة أوباما أرادت الإبقاء على حالة الارتباك حول هذه النقطة يدفع الجدل الدائر بشأن الحادث الإرهابي على القنصلية الأميركية في بنغازي. وتأتي التساؤلات بشأن ما يعرفه البيت الأبيض ومتى، بهدف الكشف عما إذا كانت الإدارة قد حاولت إخفاء دور «القاعدة» في الهجوم.

كان من بين الأمور الغامضة أيضا السر وراء قتل بن لادن؛ فقد كانت وفاته جزءا من سياسة إدارة أوباما في الحرب على الإرهاب بقتل الإرهابيين المشتبه بهم في هجمات بطائرات من دون طيار.

هذه السياسة تبدو قوية، حيث تجنبنا أسئلة مثيرة للحيرة بشأن كيفية اعتقال واستجواب وعقاب المشتبه بهم في الإرهاب، لكن هذه الفضائل تأتي على حساب خسارة المعلومات الاستخباراتية التي يمكن الحصول عليها فقط عبر الاستجواب، ذلك النوع من المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها خلال إدارة جورج بوش التي مكنت إدارة أوباما من تحديد بن لادن. والزمن وحده فقط هو الذي سيحدد مدى إسهام غياب المعلومات الاستخباراتية التي تمت خسارتها عبر سياسة أوباما في جعلنا أكثر عرضة لهجوم إرهابي. هناك أيضا التساؤل بشأن مدى استدامة هذه السياسة على المدى الطويل. إضافة إلى الانتقادات العامة في باكستان، برزت حركة لمنع الطائرات من دون طيار. وركز منظمو هذه الحركة، لسبب غير مفهوم، على أداة سياسة أوباما (الطائرات من دون طيار) لا على من يقومون بتوجيهها. لكن في مرحلة ما من الأزمة سيقول المنتقدون إن الحكومة هي التي تشن هذه الهجمات، يكون فيها الرئيس مسؤولا أكثر من الطائرات من دون طيار.

وأخيرا، يشير شعار أوباما إلى أن «جنرال موتورز» قد لا تكون حية وفق سياسات أوصى بها أولئك الذين أرادوا، على سبيل المثال: «إشهار إفلاس جنرال موتورز»، مثل رومني. هذا يخلط الفارق بين الإفلاس والاستمرار في العمل. في النهاية أحال أوباما «جنرال موتورز» إلى الإفلاس - لكنه ضمن أن عقود أصدقائه في الاتحاد كانت محمية - ولذا فإن الاختلاف الحقيقي مع رومني هو حول مصطلح هذا الإفلاس. هنا، أيضا، تاريخ سيكون الحكم على ما إذا كانت «جنرال موتورز» قد عادت بشكل أقوى نتيجة للشروط التي فرضها أوباما والتي مولها دافعو الضرائب، أو ما إذا كانت قد برزت بشكل أقوى تحت القواعد المعتادة للإفلاس.

هناك قول مأثور في السياسة، وهو أن الملصق الضخم يهزم المقالة في كل مرة، ومن ثم فكما ساعد «بيردكاريس حيا أو رايسوني ميتا» حملة روزفلت للرئاسة عام 1904. سيعزز شعار «جنرال موتورز حية وبن لادن ميت» أوباما هذه العام بغض النظر عن الحقائق.

* نائبة رئيس دراسات السياسات الدفاعية والخارجية في معهد «أميركان إنتربرايز»

* خدمة «واشنطن بوست»