دينا أغضبت الشيعة في مصر

TT

الأرقام الاستثنائية التي حققها فيلم «عبده موتة»، بطولة محمد رمضان، تستحق أن نتناولها بالتحليل، فلقد تفوق حتى على إيرادات الأفلام التي لعب بطولتها في السنوات الماضية كبار نجوم الشباك في السينما المصرية مثل حلمي والسقا وكريم وعز. الفيلم رديء فنيا، ولكن هناك أفلام أخرى أكثر رداءة عرضت بجواره في عيد الأضحى ولم تحقق شيئا.

حدث انفلات في عدد من دور العرض حيث تماهى البعض مع البطل واقتحموا السينما وهم يحملون «مطاوي» وبعضهم بعد أن نفدت التذاكر وأغلقت السينما أبوابها قاموا برشق الدار بالحجارة. العنف الذي مارسه بطل الفيلم انتقل من الشاشة إلى الجمهور، وقرر بعضهم أن يصبح عبده موتة ويفرض قانونه الخاص.

الأمر يستحق بالفعل أن نعثر على خطوط التواصل بين ما هو نفسي واجتماعي وثقافي في هذا الفيلم، إلا أنه قبل أيام قليلة تغير المؤشر وتبدلت زاوية الرؤية التي نطل من خلالها وصار الأمر متعلقا بالدين، وذلك بعد أن أقام عدد من الشيعة في مصر دعوى ضد الرقابة على المصنفات الفنية وتساءلوا في دعواهم كيف يصمت الأزهر الشريف، ولا يمنع أغنية ترددت داخل أحداث الفيلم باسم «يا طاهرة يا ام الحسن والحسين»، ويقصدون بالطاهرة السيدة «فاطمة».

وكانت دينا تصاحب الأغنية بالرقص.. هذه الأغنية ترددت قبل سنوات، كما أن هذا النوع الذي يمزج بين الترديد الديني والرقص ليس جديدا على الثقافة الشعبية المصرية، بل إن عددا من الأغاني العاطفية يتم استبدال كلماتها في الموالد لتتحول إلى أغنية في المديح النبوي، وهكذا اشتهرت أغنية «رحولو رحولو.. رحولو المدينة» التي تتردد في الأفراح الشعبية منذ نصف قرن بعد أغنية عبد الحليم حافظ «قولولو قولولو.. قولولو الحقيقة»، والإذاعة لا تزال تحتفظ بتسجيل نادر بصوت عبد الحليم وهو يغني «رحولو المدينة».. في الأفراح نشاهد من يغني «صلي صلي.. ع النبي صلي» ثم يبدأ المزمار البلدي والرقص الشعبي في زفاف العروسين.

إنه المزاج الشعبي، سواء وافقت أو اختلفت عليه، فهذه قضية أخرى.. ينقل الفيلم لمحات مما يجري في الشارع وتعارف وتآلف عليه الناس ولم يعد في حقيقة الأمر يثير الدهشة. إنه مزاج خاص.. مفتي الديار المصرية الشيخ الدكتور علي جمعة بعد أن وجد أن الأزهر الشريف يتعرض لاتهام بالصمت اتصل بنقيب السينمائيين مسعد فودة وسأله عن الفيلم، وكان النقيب يعد لجنة لمتابعة ردود الفعل، فطلب المفتي أن ينضم إلى اللجنة التي تشكلت من نقيب السينمائيين، ونقيب الممثلين أشرف عبد الغفور، ووكيل نقابة الممثلين سامح الصريطي، وضموا إليها كاتب هذه السطور.

أنا أكتب هذه الكلمة قبل دقائق من ذهابي إلى اللجنة ومشاهدة الفيلم مرة أخرى، ورأيي الذي سوف أطرحه على المجتمعين في حضور المفتي، أننا لا يمكن أن نخضع أي عمل فني لرقابة دينية، وأن الفن لا يقيم بتلك المعايير، ليس معنى ذلك أن الفن يخاصم الديانات، ولكن فقط هو لا يخضع لمعاييرها المباشرة التي لو طبقناها حرفيا على أي عمل فني فسوف نصادر 90 في المائة على الأقل منها.

«عبده موتة» أراه فيلما رديئا كشريط سينمائي، فهو مصنوع، وبه كل مشهيات شباك التذاكر من رقص وعنف وجنس وألفاظ، ولكنه مثل العشرات من الأفلام الأخرى نرفضه فنيا ولكن لا نصادره دينيا.

الأزهر الشريف يصبح مرجعية في حالة واحدة، لو كنا بصدد تناول شخصية دينية في التاريخ الإسلامي، ما عدا ذلك تطبق المعايير الفنية، ومن حق المتفرج الغاضب أن يرفض الفيلم، ولكن ليس من حق أحد أن يصادره.