الإضراب عن الطعام بأي اتجاه؟

TT

في الوقت الذي كان فيه رجب طيب أردوغان يدعو مناصريه خلال احتفالات الذكرى العاشرة لانطلاقة حركة «العدالة والتنمية» للعمل المتواصل باتجاه تحصين موقع تركيا الإقليمي الذي وصلت إليه بعد جهود كبيرة بذلتها، ويكرر تعهداته باستمرار مواصلة الإصلاحات السياسية والدستورية والاجتماعية وفي مقدمتها توسيع رقعة الحريات والديمقراطية والمشاركة السياسية، في هذا الوقت كان نحو 700 شاب كردي داخل 40 سجنا في أكثر من مدينة تركية يواصلون إضرابهم المفتوح عن الطعام الذي بدأوه قبل نحو شهرين وكانت عشرات المظاهرات الغاضبة تتحرك في كثير من المدن التركية تضامنا مع مطالبهم.

حكومة أردوغان التي لا تعيش شهر عسل هذه الأيام بسبب ملفات داخلية وخارجية تتأزم، هي أمام ورطة جديدة تعكس حقيقة اقتراب موعد أيام صعبة جديدة سببها الملف الكردي، هذه القضية التي عجزت الحكومات التركية عن إيجاد الحلول المناسبة لها رغم انتظارها منذ عقود. لا بل على العكس، المسألة تتفاعل بأكثر من اتجاه أمني وسياسي بعد انفجار ثورات الربيع العربي الذي لا يريد كثير من أكراد تركيا أن يفوتهم وأن يفوتوا فرصة سانحة قد لا يحصلون عليها بمثل هذه السهولة.

الطريق المسدود الذي وصلت إليه محاولات الحوار بين الحكومة وقيادات حزب السلم والديمقراطية الكردي ولد فراغا يحاول حزب العمال الكردستاني الاستفادة منه عبر هجمات عسكرية ومحاولة إشعال الداخل التركي سياسيا لإبقاء ملف القضية الكردية دائم الحضور في كل النقاشات، والمؤكد أنه سيعمل للاستفادة من هذا الإضراب لإلزام حكومة أردوغان بمحاورته بشكل أو بآخر.

المعروف هو أن إضرابات من هذا النوع تأتي بهدف الضغط على إدارة السجون والحكومة لتحسين أوضاع السجناء والأخذ بمطالبهم، والمعروف أيضا أن تحركات من هذا النوع كانت دائما في قلب المعادلات السياسية في تركيا، خطوات لجأ إليها مثلا معارضو الانقلاب العسكري عام 1980 وانتهت بسقوط 4 قتلى ومحاولة أخرى عام 1996 في ديار بكر سقط خلالها 16 شخصا وثالثة عام 2001 أودت بحياة أكثر من 100 قتيل.

لكن ما يجري هذه المرة هو محاولة ضغط يقودها البعض من داخل السجون عبر طرح مطالب سياسية تحسن لمن هم في الخارج وتحقق لهم ما يريدون، وربما هذه النقطة الأساسية التي تغضب أردوغان وتدفعه لمهاجمة القيادات السياسية الكردية التي تتلطى وراء بعض الأشخاص عبر تحريضهم على الإضراب عن الطعام بينما تقيم هي مناسف اللحم والولائم على مرأى ومسمع الجميع كما قال.

أردوغان يردد أن حكومته لن تسمح بتحويل شمال سوريا إلى شمال عراق جديد رغم كل العلاقات القوية التي يقيمها مع قيادات أربيل منذ عامين، وأن ما يقوم به البعض هو مجرد استعراضات أو عرض عضلات لا أكثر في محاولة لاستغلال البعد الإنساني للمسألة وتقديمه على الأهداف السياسية التي يحاولون الوصول إليها. لكن قيادات كردية مدعومة من قبل كثير من الأقلام الليبرالية تصر على أن لا فرصة أخرى للحكومة سوى محاورة الذين ينفذون هذا الإضراب أولا وإعادة تفعيل خط الاتصال المباشر وغير المباشر بأوجلان القادر على إقناع مناصريه بالتخلي عن اعتصامهم هذا ثانيا.

أبرز المطالب هي حق التعلم والتعليم باللغة الكردية وحق التحدث أمام المحاكم والدفاع باللغة الكردية وإنهاء حالة التجريد التي يعيشها عبد الله أوجلان منذ أكثر من عام في سجن جزيرة ايمرالي.

لكن أكثر ما يقلق الحكومة التركية هذه المرة هو تهديدات أطلقها نائب رئيس حزب السلام والديمقراطية صلاح الدين دميرتاش قبل أيام بعد مظاهرة تضامن مع المضربين تعرض خلالها بعض نواب كتلته البرلمانية لتنشق الغاز أشار فيها إلى أنهم يفكرون جديا في تنفيذ تحرك مماثل تحت سقف البرلمان هذه المرة في محاولة لجر الحكومة إلى الحوار والإصغاء إلى ما يقال.

قوات الأمن التركية صرفت في الآونة الأخيرة أطنانا كثيرة من المياه وكميات كبيرة من الغاز المسيل للدموع وهي تتعامل مع حشود وتجمعات شعبية تساند السجناء، لكن الذي يقلق طبعا في المرحلة المقبلة هو أن تتحول أساليب قطع الطريق على التصعيد لتبني لغة أكثر شدة وعنفا تقطع الخيط الرفيع الذي يسعى الرئيس التركي عبد الله غل لحمايته في مسار هذه الأزمة.

هجمات العمال الكردستاني الأخيرة في مناطق جنوب شرقي تركيا استهدفت دور التعليم بكافة المستويات والدعوات إلى تنفيذ الإضراب العام في مدن المنطقة قد تتزايد يوما بعد آخر، والبعض يريدها مقدمة للعصيان المدني الذي نجحت الحكومة في إبعاده عن نقاشات المرحلة حتى الساعة، لكن أصعب ما سيواجهها حتما سيكون محاولات طرح أوجلان في قلب أي حوار أو اتصال أو تفاوض تجريه مع القيادات الكردية التي تتبنى هذا الخيار في البلاد.