قرارات بعد فوات الأوان

TT

أحد أبرز أسباب إفلاس شركة «كوداك» العملاقة لتصنيع أفلام التصوير والكاميرات، بعد 130 عاما من النجاح المتواصل، هو أنها لم تتخذ القرار المناسب في التوقيت المناسب، وذلك بعدم تطويرها لمنتجات إبداعية يمكن أن تصمد في غمار المنافسة الضارية في أسواق العالم. و«كوداك»، التي قيل إن حصتها السوقية الأميركية بلغت 90 في المائة، قد أدركت جيدا خطورة أن تتخذ قرارات بعد فوات الأوان، ويشاركها في ذلك ملايين الأفراد والمؤسسات والحكومات في العالم الذين لا يفيقون إلا بعد أن تقع الفأس بالرأس.

وكلنا يذكر تهديد الرئيس الأميركي الأسبق بوش الأب للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لكي ينهي الأخير احتلاله لدولة الكويت عام 1990، وبصورة فورية ومن دون شروط وإلا سوف تشن عليه حرب التحرير. لكن الرئيس صدام لسبب أو آخر لم يستوعب خطورة تهديد من كان يقود أكبر تحالف عسكري في العصر الحديث إذا اجتمعت نحو 33 دولة لتحرير دولة صغيرة، فقرر صدام الصمود لكنه دفع الثمن غاليا، فكانت النتيجة أن دمر أحد أقوى الجيوش العربية، ثم انتهت حياته على حبل المشنقة، فتغير وجه المنطقة بأسرها بعد حادثة غزوه. وهناك الكثير من القياديين الذين يرتكبون على مدار الساعة الأخطاء نفسها ويدفع ثمن ذلك أتباعهم.

عندما لا يدرك المرء عواقب تأخير القرار فلا يلومن إلا نفسه، ولذا فإن الإنسان مطالب بأن يبحث دوما عن أصحاب الحكمة والمشورة، ليرشدوه إلى الطريق الصحيح. فليس هناك شخص يفهم في كل شيء، وينظر إلى الأمور من جميع النواحي، ولذا جاءت الشورى والديمقراطيات وعززت التعدديات. وحتى على الصعيد الأكاديمي تجد هناك مرشدا يرشد الطلاب إلى اتخاذ القرار المناسب في التوقيت المناسب ليضمن تخرجهم في المدة الزمنية المطلوبة. وكم من شخص اضطر إلى تغيير تخصصه بعد سنوات من الدراسة أو العمل لأنه اكتشف متأخرا أنه لم يتخذ القرار المناسب في وقت سابق.

كما تجد البعض يؤجل قراره لأنه يخشى من اتخاذ القرارات، أو ربما لأنه لم يبذل ما في وسعه في تجميع أكبر قدر من المعلومات. وهو لا يفرق بين مرحلة «تحليل المشكلة» ومرحلة «اتخاذ القرار»، فمرحلة التحليل تأتي من ضمنها عملية جمع المعلومات، وإذا ما توافرت وحان الوقت المناسب فلا بد أن يتخذ المرء قراراته بسرعة، لأن تأجيل القرارات الحاسمة من دون مبرر تكون تكلفتها أعلى.

ومن أنواع اتخاذ القرارات القرار الذي يطلق عليه «Doing Nothing» أي أن تقرر بملء إرادتك أن لا تفعل شيئا، وهو قد يكون قرارا وجيها لكن يجدر أن يكون صاحبه مدركا للعواقب، لأنه في النهاية قرار لا يخلو من تبعات. وهناك فارق كبير بين أن يكون هذا «قرارا»، وبين مرحلة «اللاقرار»، فالأخيرة يراوح فيها الإنسان في مكانه ويؤجل اتخاذ القرار إما لخوف وإما انشغال وإما تردد «فتطير الطيور بأرزاقها» كما نقول باللهجة الخليجية. وهذه المشكلة نراها أمرا واقعا في حكومات عربية كثيرة، وهي أحد أسباب تخلفنا عن ركب الأمم التي تضع خططا مدروسة وتتخذ القرار المناسب في التوقيت المناسب، ولذا فهم يبلغون أهدافهم بصورة أسرع وأذكى من سائر شعوب العالم الثالث التي يكتفي كثير منها بالجلوس على مقاعد المتفرجين!

[email protected]