قصة دعوة من بن علي

TT

تعرفت إلى السفير التونسي في لندن محمد اليسير أمام باب المدرسة الفرنسية حيث ينتظر الأهل خروج الأبناء لمرافقتهم إلى البيوت. وتوطدت بيننا مودة، يضبط قواعدها الحذر الصحافي واللياقة الدبلوماسية. وذات يوم دعاني إلى مكتبه وقدم لي شيئا غير متوقع: رسالة من الرئيس زين العابدين بن علي، مكتوبة بخط يده، على بطاقته المذهبة، يدعوني فيها لزيارة تونس.

شكرت السفير، وسألت إدارة التحرير رأيها في الزيارة. قيل لي إن «الشرق الأوسط» ممنوعة من التوزيع في تونس. فاتصلت بالسفير اليسير وقلت له إنني أعتذر عن تلبية الدعوة. فأنا مدعو كصحافي وإلى مقابلة الرئيس. وما دمت غير قادر على كتابة شيء، فلا معنى للزيارة.

بعد فترة لا أدري طولها أو مدتها، اتصل بي اليسير مرة جديدة. كنت أتوقع أي شيء، إلا دعوة أخرى أيضا، بخط يد الرئيس، وعلى بطاقته الشخصية المذهبة. لم أتصل بإدارة التحرير ولم أعتذر. أصبح الأمر واضحا للفريقين. ولم تتكرر الدعوة بالتأكيد.

عندما ذهبت لحضور القمة العربية في تونس (التي ألغيت) لم أطلب مقابلة أحد. كان الجميع منهمكا بالقمة وكان من الذوق والحكمة عدم إحراج الناس. لكن بعض شباب المعارضة قرر أن يحرجني. إما في الفندق، وإما في مطعم، وإما في مقر المؤتمر. وكنت أصغي. لكنني كنت أيضا ملتزما أدبيات دعوتين على بطاقة خاصة من رئيس البلاد. ومع أن بن علي استولى على السلطة عندما كان بورقيبة قد جاوز التسعين، ففي داخلي لم أنسَ أن تونس عرفت «الباي» و«الباني». بورقيبة هو الباني.

لا أعتقد أن أحدا كان يعرف بأمر الدعوتين الخاصتين بخط يد الرئيس بن علي، سوى مكتبه والسفير اليسير. قررت أن أكتب ذلك اليوم مع الاعتذار للرجل. لم يكن أطيب الحاكمين لكنه كان بالتأكيد أطيب المعزولين. لا 75 ألف قتيل مثل ليبيا ولا موقعة جمل مثل مصر ولا 40 ألف قتيل مع ركامهم مثل سوريا. لا بد للإنسان أن يتخذ موقفا مشرفا مرة في عمره على الأقل. وفي هذا الموقف وفر بن علي على تونس ما نراه في ليبيا وسوريا. ووفر على نفسه ما تعرض له مبارك في مصر.