الرئيس أوباما: انتهاء عقد من الحرب

TT

حمل خطاب النصر الذي ألقاه أوباما يوم الأربعاء 6 نوفمبر (تشرين الثاني) في شيكاغو حافزا ذهنيا للتفكير. في هذا المقال، أرغب في التركيز على موضوع غاية في الأهمية والحساسية: قضية احتمال اندلاع حرب جديدة في منطقتنا. مثلما نعلم، كان رومني بمثابة نسخة جديدة من جورج بوش. بلا شك، كان أحد الدروس الأساسية المستفادة من فشله هو شخصيته العسكرية. غالبا ما كان يؤكد على استخدام الجيش كحل للمشكلات في الشرق الأوسط. وكان بالطبع أذكى من ماكين، الذي ردد أغنية «بوم بوم».

تحدث أوباما عن الحرب مرتين بصور مختلفة. أولا، في بداية خطابه، حيث فسر الحلم والروح الأميركيين: حلم من دون حرب!

قال: «إنها تمضي قدما بفضلكم. إنها تمضي قدما لأنكم أعدتم التأكيد على الروح التي قد انتصرت على الحرب والإحباط.. الروح التي قد انتشلت الدولة من أعماق اليأس إلى أعلى قمة الأمل».

بعدها، جاءت المرة الثانية عندما تحدث أوباما بصراحة قائلا: «إن اقتصادنا آخذ في التعافي، وإن عقدا من الحرب ينتهي».

يبدو أن استراتيجية أميركا في مجال الأمن القومي وتحديات السياسة الخارجية - على الأقل في الفترة الثانية من ولاية أوباما - تتمثل في تجنب اندلاع أي حرب في العالم، خاصة في الشرق الأوسط. هذه أقوى رسائل أوباما في خطاب النصر. بعبارة أخرى، حينما أكد أوباما على أربع قضايا رئيسية، لم يول اهتماما لأي أزمة سياسية خارج الولايات المتحدة. ودعا إلى التعاون بين الحزبين في مخاطبة أربع أولويات طموحة خلال السنوات الأربع القادمة:

1) خفض العجز في الموازنة

2) إصلاح النظام الضريبي

3) تعديل قوانين الهجرة

4) اعتماد الدولة على النفط الخارجي

من الواضح جليا أنه لا توجد مساحة لحرب جديدة. كان خطأ استراتيجيا ارتكبه ميت رومني وحملته دق طبول الحرب. على الجانب الآخر، يمكننا أن نرى نتنياهو ووزير خارجيته يستعدان لحرب جديدة في الشرق الأوسط. إضافة إلى اللوبي الصهيوني، كانت وسائل الإعلام القوية تدعم ميت رومني. يمكنك أن تراجع كل الصور المنشورة للمرشحين الاثنين في «نيوزويك» و«تايم» و«نيويورك تايمز» و«هيرالد تريبيون» وغير ذلك. كانوا يحاولون في الأغلب وببراعة إظهار رومني في صورة الرئيس الجديد. ومن ثم، أرى أن مشاهدة مدى فشل اللوبي الصهيوني في هذه الانتخابات كانت نقطة غاية في الأهمية. لقد وضعوا كل البيض في سلة رومني.

على سبيل المثال، لا يخفى الدور شديد التأثير للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية في الانتخابات في الولايات المتحدة على أحد. بعض الساسة الأميركيين البارزين لديهم مقولات لا يمكن تصديقها عن لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية:

جيفري غولدبرغ: «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية صاحبة تأثير هائل بين جماعات الضغط».

النائب نيوت غينغريتش: «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية أكثر جماعات المصلحة العامة فاعلية عبر الكرة الأرضية».

وعلى الرغم من ذلك، فإنه في هذه المرة لم تنجح لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية. أعتقد أن أوباما أدرك أن تأثير اللوبي الإسرائيلي قد تضاءل. وحينما أعلن مكتبه عن أنه قد رفض مقابلة نتنياهو في نيويورك، أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان ذلك بمثابة قمة جبل جليدي. أرى أنه لم تعجز إسرائيل واللوبي الإسرائيلي فقط عن التأثير على الانتخابات الأميركية، بل أيضا سنرى تأثير انتصار أوباما في إسرائيل!

كتب ديفيد روثكوب مقالا في غاية الأهمية بمجلته الشهيرة «فورين بوليسي»، يحمل عنوان «خطأ بيبي.. كيف قتل نتنياهو لوبي إسرائيل؟!». ونشر المقال يوم 18 سبتمبر (أيلول) 2012. «من المرجح بدرجة كبيرة أن ينتهي الحال برومني ورايان ومشجعهما بيبي إلى الجانب الخاطئ من نتائج نوفمبر»، هذا ما كتبه روثكوب.

كان روثكوب محقا.. فقد اتصل نتنياهو يوم الخميس 7 نوفمبر بأوباما وقال له: «كان هذا تصويت ثقة في قيادتك»، نتنياهو محق، لكن أحد أهم عوامل الثقة هو عملية السلام في الشرق الأوسط. سيكون أوباما في فترة ولايته الثانية أقوى مما كان في فترته الأولى، ولا يملك اللوبي الإسرائيلي سلطة وضع أوباما تحت ضغط.

اتهم إيهود أولمرت نتنياهو بنشر بيان يوم الأربعاء 7 نوفمبر يؤكد فيه على أن تفضيل رئيس الوزراء المفترض لأحد المرشحين الرئاسيين قد أطاح بالعلاقات مع أقوى حلفاء إسرائيل. وزعم أولمرت أن نتنياهو قد أضر بالعلاقات مع واشنطن من خلال تفضيله المحسوس للمنافس الجمهوري المهزوم، ميت رومني.

كنت أقرأ النسخة العبرية من صحيفة «هآرتس».. كانت مقالاتها وعناوينها الفرعية بارعة:

«ليس هذا هو الوقت المناسب للمواجهة: لا يجب أن يعاقب أوباما نتنياهو!.. حتى إذا أراد أوباما التركيز على مشكلاته الشخصية مع نتنياهو، فلا يجب أن يفعل ذلك، نظرا لأن الرئيس ليس شخصا أو مواطنا عاديا، وسوف تكون هناك العديد من القضايا التي ستحتاج الولايات المتحدة وإسرائيل للتعاون فيها والتعامل معها معا – إيران ومصر وسوريا – فضلا عن احتمال حدوث انتفاضة أخرى. تعتمد العلاقات بين الدول على مصالحها وعلى علاقات العداء والكراهية بين القادة. وفي ظل الكراهية المتبادلة بين الرئيس الأميركي ورئيس وزراء إسرائيل الحالي، يجب ألا نتوقع (عقاب) باراك أوباما لبنيامين نتنياهو على تدخله ودعمه للمرشح المنافس، ميت رومني، في الانتخابات الرئاسية». («هآرتس» العبرية – 2012/11/8).

يبدو لي أنه إذا ما استغل الفلسطينيون والدول الإسلامية هذه الفرصة الذهبية، إبان هذه الفترة، ربما ينجحون في الوصول إلى الحكومة الفلسطينية الحقيقية. لكن في الخطوة الأولى، يحتاج الفلسطينيون وحركة فتح وحماس ومحمود عباس وخالد مشعل، إلى التحقق من أنهم جميعا لديهم رؤية مشتركة وكلمات مشتركة. وعلى الجانب الآخر، يمكنهم الاستمرار في كيل الاتهامات لبعضهم البعض، ويمكنهم أن يصبوا لعناتهم على بعضهم البعض، لكنهم في النهاية سوف يخسرون هذا الوقت وهذه الفرصة، ولن يتبقى شيء بين أيديهم إلا الرياح.

الفرصة تمر مر السحاب وانتهزوا فرص الخير.

قبل عامين، كانت هناك ندوة في الجامعة العبرية في القدس، وكان برنارد ليفيس واحدا من أعضاء هيئة المستشارين الرئيسيين. وألقى خطابه عن «الإسلام الراديكالي وإسرائيل والغرب». وقال: «لا تنسوا أننا نواجه عالما جديدا، الاسم الأوسط للرئيس الأميركي هو حسين»!

بالنسبة لنا، إذا ما قبلنا هذا السياق الجديد، حينها، أعتقد أنه سيكون علينا التركيز على قضية فلسطين بوصفها دولة مستقلة.