أوباما.. رجل وامرأتان

TT

هناك قوائم طويلة لنساء كان لهن دور جوهري في حياة الرجل السياسي، سلبا أو إيجابا، ومنذ التاريخ، بعضها قوائم زاهية وأخرى سوداء. وقد مايز بينهما القرآن الكريم حينما ضرب مثالين أولهما للنساء الصالحات والآخر للخائنات. كانت امرأة فرعون ومريم عليهما السلام نموذجين لصالحات سعين بكل قوة أن يكن مصدرا للخير والسلام. يقابلهن الخائنات للأمانة كزوجتي النبيين نوح ولوط عليهما السلام. وفي ذلك تأكيد على وجود وأهمية وجود المرأة في التأثير على صيرورة الأحداث الكبرى.

في التاريخ العربي المعاصر أسماء نسائية نجحت في تأثيرها المباشر على توجيه مزاج الرجل السياسي أو تحييد مواقفه، من خلال توليها مناصب قيادية أو الارتباط الشخصي، وفي الحالة الأخيرة أسماء معظمها غير معلنة لأسباب اجتماعية.

قد تشاء الأقدار أن تدفع بشخصيات نسائية إلى السطح كالشريرات عائشة القذافي وليلى الطرابلسي وأسماء الأخرس. وقد يسعى النظام السياسي نفسه لتصنيف المرأة مواطنا من الدرجة الثانية كما نرى اليوم في مصر من محاولات لحذف مادة في مسودة الدستور الجديد تساوي بين المرأة والرجل، أو في الكويت حيث تعلو أصوات المعارضة بالمطالبة بالحرية والكرامة في حين أن هذه الأصوات تقف بضراوة ضد حقوق المرأة السياسية، وكأن مبادئ الديمقراطية تتوزع بحسب الجنس.

أما الديمقراطية الحقة، فقد شهدها العالم الأسبوع الماضي في الولايات المتحدة الأميركية، دولة هارفارد وناسا ووادي السليكون.

بالتأمل في أجواء الانتصارات التي عاشها الرئيس الأميركي باراك أوباما بفوزه بولاية رئاسية ثانية، لا يمكن إلا الحديث عن الدور النسائي الإيجابي الملحوظ الذي أحدثته شخصيتان مميزتان حول الرئيس، إحداهما على الصعيد السياسي؛ وهي وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، والأخرى كانت بمثابة الوجه الاجتماعي للرئيس الأميركي؛ زوجته ميشيل.

كلينتون بدأت في تقديم خدماتها الجليلة لأوباما منذ أن قررت ترشيح نفسها أمامه في التحضير لانتخابات 2008، فجعلت الديمقراطيين بين خيارين؛ إما رجل أسود أو امرأة، ثم آثرت الانسحاب لئلا يتصدع الحزب بينها وبين غريمها. توالى دور كلينتون الحيوي والديناميكي بعد تنصيبها وزيرة للخارجية في الحفاظ على صورة الولايات المتحدة أمام العالم في أصعب الظروف والمتغيرات.

ولكلينتون ميزات جعلت لدورها خصوصية مضافة، منها أنها زوجة أول رئيس أميركي يضع حقيبة الخارجية في يد امرأة، وكانت وقتها مادلين أولبرايت في التسعينات. أيضا هي وزيرة خارجية أول رئيس أميركي من جذور أفريقية. ثم ثالثا أن فترة إدارتها للخارجية الأميركية شهدت تقلبات سياسية عنيفة في أهم منطقة استراتيجية في العالم وهي الشرق الأوسط؛ فالثورات العربية أنجبت أنظمة إسلامية غير موثوقة، والعلاقة الأميركية متذبذبة مع الروس الذين حشروا أنفهم في المطبخ العربي، والتعامل الصعب مع الإدارة الإسرائيلية الراديكالية، إضافة إلى تداعيات الحرب على الإرهاب التي وترت علاقة واشنطن بإسلام آباد، والوجود المقلق للجنود الأميركيين في أفغانستان.

مع ذلك تحلت كلينتون بكثير من الجلد والحكمة رغم ما اعترى الموقف الأميركي من عيوب في استيعاب الحراك الشعبي العربي. واختتمت فترة إدارتها بالوقوف بشجاعة لتحمل مسؤولية التقصير الأمني في حماية القنصلية الأميركية التي تعرضت لهجوم إرهابي في بنغازي في سبتمبر (أيلول) الماضي. كلينتون التي عاشت جل عمرها في مناخ السياسة والسياسيين قدمت خلاصة خبرتها للتقليل من أهمية التراجع في الشأن الخارجي في عيون الناخب الأميركي الذي اختار أوباما للمرة الثانية بلا اعتبار لبرودة الموقف الأميركي من الربيع العربي، أو الفشل في العراق، أو استمرار الوجود في أفغانستان.

أما الزوجة المذهلة ميشيل أوباما، فقد أبهرت العالم خلال أربع سنوات من رئاسة زوجها للبيت الأبيض، حتى بات الأميركيون يظنون أن ميشيل هي المؤثر الأول على أداء الرئيس الذي لا يبدو أنه بقوة زوجته. ما يعرفه الأميركيون ويبثونه لبقية العالم حول تأثير الزوجة النشيطة أنها دائما ما كانت تهمس في أذن زوجها في ساعات التعب والإحباط والتردد بعبارة «كن قويا». ولأنه يثق في رجاحة عقلها كان يستقبل رأيها بكثير من التقدير، ويشعر أنها لا تحدثه بعاطفة مجردة بل بعاطفة موضوعية.

ميشيل أوباما كانت الزوجة الصالحة ووجه الرئاسة الاجتماعي، وضمانة للشعب الأميركي على أن الرئيس الذي اختار الأفضل لنفسه سيختار الأفضل لأميركا.

وما لم تستطع أن تخفيه الصحافة أو تقلل منه أنه في كل مرة يعتلي أوباما وزوجته خشبة المسرح كانت حركات ميشيل وكلماتها ولغة الجسد العالية لديها هي محط أنظار الناس ومرمى تعليقاتهم أكثر من الرئيس نفسه. هذا ليس بالضرورة كونها السيدة الأولى، بدليل أنها حازت شعبية في استطلاعات الرأي لم يصلها زوجها، بل لأنها في كل مرة تظهر بطلتها الواثقة وابتسامتها الجذابة تقدم فنا مختلفا من فنون الاتصال مع الجمهور.

يقال إن مصممة الأزياء الفرنسية الشهيرة كوكو شانيل علقت ذات مرة بأنه «لا يوجد رجل في العالم يستحق امرأتين»، ولكن الواقع أن الرجل قد يحتاج إلى امرأتين أو ثلاث أو ألف أو ملايين من النساء كما حصل مع أوباما الذي استقطب أصوات الناخبات فطار بالفترة الثانية.

باختصار؛ لقد فاز أوباما بالنساء الأميركيات ولم يهزمه بقية العالم.

[email protected]