الشماتة بمصائب الآخرين

TT

أوصى الإمام مالك أثناء احتدام المعارك مع العدو بحماية قساوسة الكنائس وعدم تركهم بلا أموال، يقول رحمه الله في «المدونة»: «لا يقتل الراهب.. وأرى أن يترك لهم من أموالهم ما يعيشون به، لا تأخذوا منهم أموالهم كلها فلا يجدون ما يعيشون به فيموتون». وهذا في حال الحرب، أما في حال الأمن فدماؤهم وأموالهم وأذيتهم حرام.

أسوق هذا الشاهد الإنساني الرائع ونحن بصدد تتمة ما تحدثت به في مقالي الأخير عن الشماتة بالأمم غير المسلمة، كلما حلت بهم واقعة أو نزلت بأرضهم نازلة، هذه الشماتة أمست ظاهرة بعد كل كارثة طبيعية تحدث على كوكبنا، وآخرها كارثة «ساندي»، وإذا كان المسلم مدعوا إلى انتهاج خلق الرحمة مع أكثر أهل دار الحرب وبعض المحاربين، فمن باب أولى أن يكون المسلم أبعد عن الخلق السلبي المقيت «الشماتة» لأمثال هؤلاء.

اللافت في هذا الشأن أن شريحة من الذين يحضون على الشماتة والفرح بما يصيب غير المسلمين من كوارث هم من أحرص الناس على دعوتهم للإسلام. وهذا فيه تناقض واضح؛ فإحدى الصفات الضرورية للداعية أن يتحلى بالأخلاق السامية مع أولئك المسالمين والبعد عن الصفات الذميمة معهم، وخاصة خلق الرحمة الذي يرتبط ارتباطا شديدا بمقاصد الدعوة ونهج الداعية.

أذكر في هذا الصدد أن موظفا مسيحيا عربيا محبا للمسلمين وينافح عن قضاياهم، ووقف ضد كل أنواع الاحتلال في الدول العربية والإسلامية، سكن في مدينة خليجية بجوار مسجد جامع وسمع الخطيب يدعو على عامة النصارى بترميل نسائهم وتيتيم أطفالهم وجفاف أنهارهم. تساءل الرجل تساؤلا منطقيا عن سبب دعوة الإمام عليه! لنفترض أن هذا الإمام التقى بهذا النصراني بعد خطبته ودعاه إلى الإسلام، هل يمكن أن نتخيل أن هذا النصراني سيقبل منه وهو الذي قد دعا على زوجته بالترمل وأطفاله بالتيتيم؟

لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الصبيان والنساء والشيوخ والرهبان أثناء الحروب، والمعروف أن بعض الأحبار والرهبان هم الذين يحفزون الناس ويحمسونهم لخوض المعارك، كما حدث في الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش في الأندلس، ولو كان المعنى هو مجرد الكفر لأذن بقتلهم؛ فهم غير داخلين في عهد ولا أمان ولا ذمة.

والمقررات في محيط الأخلاق والقيم واضحة في نهج الشريعة ودرب النبوة، وهي أيضا مسلمات في جميع الملل، ولدى جميع الشعوب، حتى صارت الشماتة بالمسالمين سببا للخجل عندهم، ومن أظهر علامات الوحشية والتخلف.. فهل يرضى مسلم أن يخرج عن نهج أخلاق شريعته، وأن يطرد الناس عن حياض دعوته؟

بقي أن أهمس في أذن بعض طلبة العلم وقادة الرأي فأقول: لو كانت الشماتة بالمسالمين ظاهرة عند دهماء المسلمين لكان تأثيره السيئ عظيما، فكيف وقد سلك طريقه بعض قادة الرأي والدعوة؟!

[email protected]