أوباما الثاني أردوغان الثالث

TT

على الرغم من أن كثيرا من السياسيين والمثقفين والإعلاميين الأتراك رجحوا كفة باراك أوباما على منافسه ميت رومني في الانتخابات الأخيرة لأن كلام ومواقف الأخير حول خططه وتطلعاته لمسار الأمور في الشرق الأوسط والعلاقات الأميركية الإسرائيلية ستتعارض تماما مع السياسة التركية في المنطقة، إلا أنهم يعرفون أن أوباما نفسه لم يقدم كثيرا في هذه المسائل حتى لا نقول إنه أسهم في إيصال سياسة تركيا الإقليمية إلى طريق محفوف بالمخاطر.

لا أحد في تركيا يرى أن حرارة رسائل التهنئة التي بعثت بها قيادات العدالة والتنمية لأوباما بعد فوزه بالانتخابات ستنجح في تبريد سخونة العلاقات بين البلدين وتحريرها من قيود تكبلها منذ عامين بسبب القراءات المتباعدة في السياسات والمواقف.

أوباما الذي حصل باكرا على جائزة نوبل كخطوة تشجيعية وألقى التحية على شعوب المنطقة من أنقرة والقاهرة واعدا بالعمل على حمل السلام إليها، خيب آمال كثير من الأتراك الـذين فتحوا الأبواب على وسعها أمامه بسبب التغاضي عن سياسة إسرائيل التصعيدية وعدم التزامه بتعهدات دعم فرص الحوار والمصالحة التي طرحتها تركيا في أكثر من مكان.

هم يرون أن أوباما في سلوكه التركي الحالي يتحرك تماما بالاتجاه نفسه الذي اعتمده وردده وتعهد به مع وصوله إلى السلطة عندما خص تركيا بأول زيارة يقوم بها إلى الخارج وأطلق كثيرا من الثناء والمديح على أردوغان وحكومته لناحية الموقع والدور والأهمية وحمل لنا فكرة النموذج التركي التي وترت أصلا علاقات تركيا بكثير من دول الجوار.

حاول أن يقدم أنقرة كحصان طروادة في سياسة بلاده الإقليمية فأغضب أردوغان أكثر فأكثر ودفعه للتشدد والتصلب.

أسلوبه هذا وكما يرى الأتراك أسهم في إيصال سياسة تركيا في أكثر من مكان إلى طريق مسدود إما بسبب ما أوحى به حول سياسة أميركية حيادية كما فعل في الأزمات السورية والليبية واليمنية أو نتيجة تمسكه وترجيحه خيار الوقوف إلى جانب خصوم تركيا بصمته، كما فعل في أزمات تدهور وتراجع العلاقات التركية الإسرائيلية والتركية العراقية عندما وقف إلى جانب تل أبيب وبغداد.

أوباما خذل أردوغان في أكثر من مناسبة. في الحرب على غزة عندما وقف يتفرج من بعيد على المواجهة الشهيرة مع بيريز في دافوس والاعتداء على أسطول الحرية ولم يوقف نتنياهو عند حده.

هو أخذ من أنقرة ما يريد ولم يقدم لها كثيرا. اختار عدم تفجير العلاقات مع نتنياهو وإيصالها إلى القطيعة الكاملة على الرغم من كل البرودة والجمود وتمسك بنشر المظلات الصاروخية على الحدود الشرقية لتركيا التي أغضبت طهران وموسكو ودفعتهما للتلويح الدائم بقدرتهما على تهديد مصالح تركيا في الإقليم، ولم يساعد أنقرة في موضوع الضغط بما فيه الكفاية على تل أبيب للخروج بنتائج في المفاوضات السورية الإسرائيلية أو الإسرائيلية الفلسطينية أو الإيرانية الغربية. دعم انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي فزاد من غضب الأوروبيين الكبار في المجموعة وتشددهم مثل ألمانيا وفرنسا.

ترك تركيا وحيدة في المأزق السوري وتحديدا في موضوع المنطقة العازلة وتسليح المعارضة وعدم الضغط بما فيه الكفاية على حلفاء النظام في دمشق على الرغم من أن أردوغان أطلق حملة التعرض للنظام السوري وإعلان حرب الإسقاط من أمام أبواب البيت الأبيض وفي أعقاب لقاء مطول مع أوباما نفسه.

هو سمح لنائبه جو بايدن بتفجير العلاقات أكثر من مرة بين البلدين بسبب تصريحاته وتخليه عن أنقرة في مواجهتها مع المالكي وحربها على حزب العمال الكردستاني والأزمات القبرصية والأرمينية.

تركيا وأميركا تستعدان للمسألة السورية والملف الإيراني وحسم قضية صعود الإسلاميين التي تعارضها واشنطن وتصر أنقرة على مواصلة دعمها على ما يبدو في الفترة التي تعيش فيها هي لحظات الصعود هذه.

تركيا عليها أن تستعد للمفاجآت في حقبة أوباما الثانية التي قد تحمل لنا أوباما ثانيا يحاور أردوغان الثالث الذي لا يقل عنه تصلبا وتشددا وهو الذي عزز رصيده وشعبيته في الداخل والخارج. أوباما وضع مصالح بلاده فوق مصالح الآخرين وأردوغان يصر على فعل الشيء نفسه وربما هذا ما قد يقود إلى الجمود المستمر في حواراتهما.

ومع ذلك فالبعض في أنقرة ما زال يراهن على تحرك قوي على الأرض لأوباما بعدما أزال عبء الانتخابات عن كاهله، وإنه سينتقل في حقبة حكمه الجديدة للانطلاق بحرية أوسع في قراراته السياسة التزاما بتعهداته التي قطعها والعمل على تخفيف أعباء شريكه الاستراتيجي تركيا. حتى إن بعض وسائل الإعلام التركية بدأت منذ الآن تتحدث عن احتمال أن تكون أول زيارة يقوم بها أوباما للخارج هذه المرة أيضا إلى تركيا تماما كما فعل عام 2009.

ربما الأفضل هنا قد يكون إطلاق يد أقرب أعوانهما هيلاري كلينتون وأحمد داود أوغلو ببراغماتيتهما المعروفة للجلوس والاتفاق على حل وسط يرضي الطرفين ويحمي شعرة معاوية في علاقاتهما.