الفراعنة يحترمون التاريخ

TT

اعتقاد خاطئ ساد بين الناس وهو أن ملوك الفراعنة هم من ابتدعوا، بل وتفننوا في إزالة أسماء من سبقوهم من ملوك من على آثارهم من تماثيل ومعابد ووضع أسمائهم بدلا عنها فيمحو الملك الذي على قيد الحياة اسم من سبقه ويغتصب آثاره وينسبها لنفسه! والغريب أن من يعتقدون ذلك يشبهون أي مسؤول يقوم بسرقة أعمال وجهد المسؤول الذي سبقه بأنه إنما يسير على سنة الفراعنة، بينما الحقيقة أن الفراعنة لم يفعلوا ذلك طوال تاريخهم منذ أن عرفوا الكتابة وتسجيل تاريخهم. لقد كان واجبا مقدسا على كل ملك يجلس على عرش مصر أن يشرف على مراسم دفن الملك المتوفى، سواء كان ينتسب إليه أو لا يمت له بصلة، وأن يخلد ذكراه بأن يستكمل بناء وتشييد ما بدأه سابقه وضع اسمه واسم من سبقه على هذه البنايات، ولدينا الكثير من الأمثلة، منها على سبيل المثال قيام الملك شبسسكاف، آخر ملوك الأسرة الخامسة، باستكمال المجموعة الهرمية للملك منكاورع صاحب الهرم الثالث من أهرامات الجيزة. ليس هذا فقط، بل كان على الملك أن يوفر مصادر الصرف على مقابر ومعابد الملوك الذين سبقوه.

المؤكد أن الاعتقاد الخاطئ عن الفراعنة ولد من حقيقة تاريخية وهي قيام الملك رمسيس الثاني بوضع اسمه على بعض التماثيل التي لم يصنعها هو، بل نحتت لملوك سبقوه، وقد تم الكشف عن أن هذه التماثيل كانت بالفعل إما لملوك الهكسوس المحتلين أو أنها كانت لملوك مصريين واغتصبها ملوك الهكسوس، وعندما حكم رمسيس الثاني قام مهندسوه المعماريون ونحاتوه بمحو أسماء الهكسوس المحتلين، ولم يجدوا غضاضة في نسبها إلى ملكهم، ولا يمكن الجزم بأن ذلك تم بعلم الملك أو دون علمه، فالمعروف أن رمسيس الثاني يطلق عليه لقب سيد البنائيين، وذلك لكم العمارة الهائلة التي شيدها الملك في طول البلاد وعرضها.

هناك الأدلة العلمية التي يعرفها المتخصصون وليس من يطلقون على أنفسهم علماء، بينما هم أبعد ما يكونون عن فهم الحضارة المصرية القديمة، وقد ساعدوا في أكثر الأحيان دون قصد في الإضرار بالتاريخ الفرعوني، وتصوير الفراعنة على أنهم طغاة استعبدوا شعبهم لبناء مجدهم، وهو ما لم يحدث. وتبقى حقيقة واحدة وهي أننا لو أخلصنا في العمل حبا في بلدنا مثلما فعل الفراعنة لكنا الآن مع الأمم المتحضرة. كان الفراعنة يحكمون من خلال أسرات، يحكم الابن بعد أبيه وجده، وكان الفرعون يتباهى بأنه شيد هذا الأثر أو ذاك لأبيه أو لجده لتخليد ذكراه وليكون بحق «الابن النافع لأبيه»، وهو لقب فرعوني توارثه الملوك وغيرهم من المصريين.

نعم أصبح في زماننا مسؤولون لا يجدون غضاضة في نسب أعمال وجهد من سبقوهم لأنفسهم دون وجه حق ودون حتى ذكر من عمل وشارك فيما ينسبه هؤلاء لأنفسهم، بل أصبحت العادة أن يفتتح مسؤول ما عملا أو مشروعا اكتمل قبل أن يأتي إلى موقع المسؤولية ويصدر التصريحات للإعلام كما لو كان ما يفتتحه هو من نتاج عبقريته وجهده الخارق، وهذا ما لم يحدث لا في زمن الفراعنة ولا حتى في عصور الجهل والظلام!