«أم رتيبة» واحدة من القصص الساخرة للأديب الراحل يوسف السباعي. اشترطت العروس على العريس، للموافقة على عقد القران، أن يستبدل باسمه «سيد بنجر» اسما آخر أكثر رقة، فاعتقد صاحبنا أن المشكلة تكمن في «سيد» فتقدم للسجل المدني لتغيير اسمه إلى «علي بنجر».
وعلى طريقة «البنجر» قرر المخرج عمرو سلامة أن يلعب مع الرقابة المصرية التي رفضت التصريح بتصوير سيناريو فيلمه «لا مؤاخذة». الفيلم يتناول قضية حساسة وهي العلاقة بين المسلمين والأقباط، من خلال طفل مسيحي في المدرسة الإعدادية يعتقد الطلاب والأساتذة أنه مسلم لأن اسمه يحتمل الديانتين. وقال الأستاذ في أول حصة بعد أن قرأ أسماء كل الطلاب «الحمد لله كلنا مسلمون»، ومن بعدها ظل الطالب خائفا من الإفصاح عن ديانته.
مؤخرا تقدم المخرج بالسيناريو للرقابة مع تخفيف بعض المشاهد، وأطلق عليه «سنة تانية إعدادي» فوافقت الرقابة!!.. ولا أذيع سرا عندما أقول إن المخرج قال لي إنه سوف يعيد الاسم الأول ويصور المشاهد المحذوفة ويعرض الشريط على الرقابة ليخوض قريبا معركة ضارية للتصريح بالفيلم!! لماذا تتعنت الدولة في التعامل دراميا مع تلك القضية؟ تأتي الإجابة: إنها الحساسية التي مع الأسف عندما نتناولها بحساسية مفرطة نبدو وكأننا نصب الزيت على النار.
الغياب الدائم والمتعمد للشخصية القبطية عن الدراما المصرية هو الذي أدى إلى ما يمكن أن نطلق عليه «فوبيا»، وتعني الخوف المبالغ فيه من الاقتراب للشخصية المسيحية. المحظورات صارت بعد ثورة يناير تزداد ضراوة نظرا لأن الرئيس مرسي ينتمي فكريا إلى جماعة الإخوان المسلمين، ومن الممكن في ظل حالة التوجس أن يساء تفسير الكثير!! مثلا حتى الآن غير مصرح بعرض الفيلم المصري «الخروج»، إخراج هشام عيسوي، على الرغم من أنه شارك قبل عامين في مهرجان دبي قبل الثورة بأقل من شهرين، ومن بعدها طلبته العديد من المهرجانات العربية والدولية وحصد أكثر من جائزة، إلا أنه غير مصرح بعرضه جماهيريا، حيث إنه يتناول علاقة حب بين فتاة قبطية وشاب مسلم.
لا أنكر أن العديد من الأعمال الدرامية التي تناولت شخصيات قبطية أثارت قدرا لا ينكر من الغضب، بعضها وصل إلى حد التظاهر داخل صحن الكنيسة الأرثوذكسية، وأكثرها حدة كان فيلم «بحب السيما» 2004 الذي شكلت الدولة وقتها قبل التصريح بعرضه أكثر من لجنة تعمدت أن تزداد داخلها نسبة الأقباط، وذلك لامتصاص الغضب المحتمل، إلا أن مساحة الغضب فاقت كل الاحتمالات!! هل نغلق تماما هذا الباب ونتجاهل نسبة من المجتمع - لا أستطيع تحديدها بدقة لأن من ضمن مظاهر الحساسية في مصر أن جهاز السكان والإحصاء يخشى إعلان عدد الأقباط رسميا حتى لا يثير التوتر.. في كل الأحوال هناك ملايين من بين 90 مليون مصري يدينون بالمسيحية، هؤلاء جزء فاعل في المجتمع، ولديه نفس الجينات والدماء، ولا يمكن تجاهله بحجة أن مثل هذه الأعمال تثير تلك التي لعن الله من أيقظها، رغم أن الدراما هي أحد أهم الأسلحة لوأد أي مظهر طائفي لتلك التي لعن لها من أيقظها.
تعودنا في المسلسلات والأفلام أن نضع أوراق «السوليفان» على الشخصية المسيحية، وكأننا نرفع راية مكتوبا عليها «ممنوع اللمس أو الاقتراب».. الأمر يبدو وكأن هناك اتفاقا ضمنيا على ذلك بين صناع العمل الفني والجمهور!! المتفرج بطبيعته لم يألف رؤية شخصيات قبطية من لحم ودم تحب وتكره وتمارس الفضيلة وقد تنزلق إلى الرذيلة، لأن الحساسية التي نراها في الشارع تنتقل أحيانا إلى الشاشة.
يبدو أن السينمائي المصري حتى يرى عمله الفني النور ليس أمامه سوى أن يلاعب الرقابة بنظرية «البنجر»!!