المفاضلة بين الشجعان والجبناء

TT

دعونا اليوم في هذه المفاضلة الشعرية أن نستظل مع الشجعان تحت سيوفهم، وإذا أعوزنا ذلك وهرهرت بعض البطون، فدعونا إذن أن نطلق سيقاننا للريح مع الجبناء، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

يقول العباس السلمي:

أشدّ على الكتيبةِ لا أبالي

أَحَتْفي كان فيها أمْ سِوَاها

ويقول شاعر آخر:

إذا ما غضبنا غضبة مضَريَّة

هتكْنَا حجاب الشمسِ أو قطرت دما

ويقول ابن المعتز:

ولي صارم فيه المنايا كَوَامن

فما يُنتضى إلا لسفك دماء

ترى فوق متنيه الفرند كأنه

بقية غيم رقّ دون سماءِ

وقال البحتري:

معشر أمسَكَت حلومهم الأرض

وكادت لولاهمُ أن تميدا

فإذا الجدبُ جاء كانوا غيوثا

وإذا النقع ثارَ ثاروا أسودا

وكأن الإله قال لهم في الحرب

كونوا حجارة أو حديدا

وقال المتنبي يسخر من الجبناء:

يرى الجبناء أن الجبنَ حزمٌ

وتلك خديعةُ الطَّبع اللئيمِ

وقال آخر:

يَفِرّ جبانُ القوم عن عرسِ نفسِه

ويحمي شجاعُ القومِ من لا يناسبه

وقال غيره يصف الجبناء:

وضاقت الأرض حتى إن هاربهم

إذا رأى غير شيء ظنّه رجلا

غير أن أحد الشعراء الجبناء أخذ يتحدث عن نفسه قائلا وكأنه يفتخر:

قامت تشجِّعنِي هندٌ فقلتُ لها

إن الشجاعةَ مقرونٌ بها العطبُ

لا والذي حجت الأنصار كعبته

ما يشتهي الموتَ عندي من له أَرَب

للحربِ قومٌ أضلَّ اللهُ سعيَهمُ

إذا دَعَتهمْ إلى نيرانِها وَثَبوا

وقال شاعر جبان آخر بفلسفة عجيبة:

وقالوا تقدمْ قلتُ لست بفاعلٍ

أخافُ على فخارتي أن تحطَّما

فلو كان لي رأسانِ أتلفت واحدا

ولكنه رأسي.. إذا زال أعقما

وقال ثالث:

تمشي المنايا إلى قومٍ فأبغضها

فكيف أعدو إليها عاريَ الكفَنِ؟!

وفي الأثر أن غلاما لقي أعرابيا فارا من القتال، فقال له: كيف تفر يا عم من لقاء العدو؟! قال: يا ابن أخي، كيف يكون لي عدو وأنا لا أعرفه ولا هو يعرفني؟!

غير أن عائشة (رضي الله عنها) كان لها موقف مع هذا الصنف من البشر، عندما قالت: إن لله خلق قلوبهم كقلوب الطير، كلما خفقت الريح خفقت معها، فأفٍّ للجبناء، أفٍّ للجبناء!!

بالنسبة لي ككاتب، فحري بي أن أقف على الحياد، لا مع أولئك ولا مع هؤلاء، لكي أكون حقانيا، والقارئ وحده هو الذي يقرر ويختار. غير أنني أصطفي من الشعر هذه الأبيات لابن هانئ الأندلسي، وذلك كلما اقتضت الحاجة، أو كلما أصبحت مقسوما إلى نصفين؛ نصف الشجاعة المطلقة، ونصف الخوف المنقطع النظير.

فَتَكات لحظِك أم سيوف أبيكِ

وكؤوس خمرٍ أم مراشف فيك؟!

أجلاد مرهَفَة وفتك محاجر

لا أنت راحمة ولا أهلوك (!!)

يا بنت ذي البرد الطويلِ نجاده

أكذا يكون الحكمُ في ناديكِ؟!

[email protected]