من غزة خطفت إيران القضية الفلسطينية!

TT

لمن سيقدم «الجهاد الإسلامي» وحماس والمجموعات الأخرى، الضحايا الأبرياء الذين سقطوا، لمن سيقدمون عيون الأطفال التي انطفأت، لمن سيقدمون عويل الرجال والنساء والكهول؟ إلى إيران، حيث لم يسقط أي طفل إيراني بسبب الصواريخ الإسرائيلية، أم إلى حزب الله، الذي كان صوته الأعلى في هذه المعركة، إن كان عبر خطب أمينه العام السيد حسن نصر الله، أم عبر تلفزيون «المنار»، أم عبر الصحف والفضائيات الموالية له ولإيران. فالمذيع في «الميادين» لم يتوقف عند عدد القتلى، ومراسلة القناة في غزه تسرد له عدد الضحايا الذين سقطوا، والذين جرحوا، توقف فقط عند عدد البيوت قائلا: ليس مهما، سيعاد تعميرها، كما فعل حزب الله بعد حرب عام 2006 على لبنان، «لقد أعاد تعمير الضاحية والجنوب».

لمن سيعاد أعمار غزة، هل من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار جديد، ومن ثم ضحايا جدد نستعملهم أدوات للتحريض.

في حرب «عمود السحاب» – استقاها الإسرائيليون من التوراة: «وكان الرب يسير أمامهم نهارا في عمود سحاب لتمهيد الطريق لهم» (سفر الخروج 13.21) - استعاد حزب الله أمجاد حرب 2006. لكن في تلك الحرب، كان عمق لبنان كله معرضا، ثم إن المناطق اللبنانية وسوريا فتحت أبوابها وحدودها للهاربين من القصف الإسرائيلي، أما في غزة، فإن البحر كان أمام الغزاويين، والنار الإسرائيلية لهم بالمرصاد، والحدود المصرية مغلقة في وجههم.

حتى مساء الاثنين، كان عدد الضحايا في غزة 108 والحبل على الجرار، نشاهد صورهم على شاشات التلفزيون، ونتألم. هذا كل ما نفعله، القادة تثير فيهم صور الضحايا الحماسة، يصفونهم بـ«الأسود»، (ماذا يكسب الأسد بعد قتله)، ويصفون الذين يدعون إلى الحذر والتأمل والتمهل والحكمة بـ«النعاج» (مصير النعجة الذبح).

التصريحات الرنانة لم تصدر عن الإسرائيليين في هذه المعركة. مساء الاثنين، أدلى خالد مشعل بخطاب رنان طنان، أكد لنا فيه قوة المقاومة، كما تحدث «أبو الوليد»، على وجهه قناع، وتصريحاته تريد فقط إبعاد الشبهة عن إيران، «إنها صواريخ محلية الصنع». (إسرائيل تقصف وتقتل بحثا عن صواريخ إيرانية الصنع «فجر - 3» و«فجر - 5»). التصاريح الرنانة والطنانة ظهرت في الكلمة التي ألقاها وزير خارجية لبنان عدنان منصور، وكأن الحروب يقال لها، كوني فتكون. واللافت كان اعتبار رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، أن كل هذه الاجتماعات، «مضيعة للأموال والوقت»، ثم تساءل: ماذا نحن فاعلون؟

كان عليه أن يعطي الجواب، فقد أصبح لقطر مع الربيع العربي خبرة. لكن أهالي غزة يستمرون في السقوط قتلى. اللافت أيضا في معركة «عمود السحاب» الحماسة التي تجلت في قناة «المنار» وهي تبث تقريرا عن كيفية تهريب الصواريخ الإيرانية من إيران، فالسودان، ثم تفكيكها، ونقلها إلى سيناء، ومنها عبر الأنفاق إلى غزة. ثم حديث كل قادة حزب الله واليسار اللبناني وبعض «فريق 8 آذار»، عن «العرب»، وكأنهم هم ليسوا بعرب.

هل هي صدفة أن يتشابه إطلاق النار في الثامن من هذا الشهر على سيارة جيب عسكرية، داخل إسرائيل، من قطاع غزة (لم تكن حماس من أطلقت النار)، بحادث اختطاف جنديين إسرائيليين وقتل ثمانية، من قبل عناصر من حزب الله من داخل الحدود الإسرائيلية؟

حادثة، كما عام 2006، كانت تنتظرها إسرائيل.

هل حسابات إيران تخطئ دائما عندما تعطي الإشارة إلى مجموعاتها بشن عملية ضد إسرائيل؟ عام 2006 كانت هناك ضغوط دولية على إيران بسبب برنامجها النووي. هذا العام، هناك ضغوط وتهديد بالحرب، وكذلك هناك الأزمة في سوريا.

مؤيدو إيران، ركزوا على ما يجري في غزة، تاركين طهران، في هذا الوقت بالذات، تستقبل «مؤتمرا للمعارضة السورية». مؤيدو إيران، أكدوا لها ولنا، أنها نجحت في خطفها للقضية الفلسطينية، إذ من من العرب، سيقول للفلسطينيين أن لا وقت الآن للدفاع عنهم، والأزمة السورية متأججة، وهناك شعب آخر، أي الشعب السوري، سيتحول إلى شعب لاجئ داخل بلده، وقد تطول الأزمة السورية، إذا لم تحسم، فيصبح بين يدي العرب، فلسطين أخرى.

منذ زمن وإيران تعمل على خطف قضية العرب من بين أيديهم، جاءتها الفرصة مع تحكم حماس في غزة، وبعد نجاحها مع حزب الله عندما انهمرت الصواريخ الإيرانية على إسرائيل عام 2006، حيث لم تنتصر إسرائيل رغم أنها دمرت كل لبنان بكل ما لهذه الكلمة من معنى، فلبنان منذ تلك الحرب لم يقف على رجليه بعد، لا بل على العكس يزداد انهيارا وتراجعا وتفككا، إيران هذه تحولت إلى تزويد حماس و«الجهاد الإسلامي» بصواريخها. في يناير (كانون الثاني) من عام 2009، أغارت الطائرات الإسرائيلية على قافلة سلاح كانت متجهة من شمال غربي «بورسودان» باتجاه غزة، كانت مؤلفة من 20 شاحنة تحمل صواريخ «فجر 3»، ثم لاحقا صادرت إسرائيل سفينة كانت متجهة من البحر الأحمر إلى غزة محملة بالأسلحة الإيرانية. وفي الثالث والعشرين من الشهر الماضي، أغارت الطائرات الإسرائيلية على مصنع «اليرموك» في الخرطوم الذي تديره إيران لتصنيع الصواريخ.

وحسب معلومات موثوقة، فإن إسرائيل منذ خطف الجندي جلعاد شاليط قررت اغتيال أحمد الجعبري، فهو من خطفه، وهو من سلمه إلى مصر.

أيضا عبر حزب الله في لبنان وحماس و«الجهاد الإسلامي» في غزة، أرادت إيران امتحان توجهات الرئيس الأميركي باراك أوباما في فترة رئاسته الثانية. فكان أن استباح حزب الله لبنان (دولة ذات سيادة كما هو مفروض)، فأطلق طائرة «أيوب»، التي قالت إيران لاحقا إنها زودتها بصور عن مناطق عسكرية حساسة داخل إسرائيل، ثم كان التحدي الآخر، إذ قامت طائرتا «سوخوي 2» تابعتان للحرس الثوري الإيراني في الأول من هذا الشهر بإطلاق النار على طائرة «درون» أميركية من غير طيار، تحلق في مهمة مراقبة روتينية في الأجواء الدولية شرق الكويت. واللافت أن البيت الأبيض، رغم علمه بالحادث لم يكشف عنه حتى لا يؤثر على الانتخابات الأميركية. ثم كانت الإشارة الإيرانية لمجموعة داخل غزة بالاعتداء على الجيب الإسرائيلي. فجاء الرد الإسرائيلي (الجاهز) باغتيال الجعبري بعد عملية رصد استمرت أشهرا، والهدف من وراء الاغتيال البدء بعملية «عمود السحاب» لتدمير الصواريخ الإيرانية داخل غزة وتدمير غزة كذلك.

لم يكن التحدي لأميركا الدافع الوحيد من وراء استغلال إيران للشعب الفلسطيني، هناك أيضا قطر التي زار أميرها غزة حاملا معه وعدا بأربعمائة مليون دولار. إيران لن تسمح له بـ«أخذ» غزة وحماس الحلقة في سلسلة المقاومة الإيرانية التي عملت على وصلها لسنوات. أيضا، هناك التنافس المصري - التركي على إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط حسب هوى الإخوان المسلمين، ومعهما أموال قطر التي أطاحت «المجلس الوطني السوري» وجاءت مكانه بـ«ائتلاف المعارضة السورية» الذي قرر أن يكون مقره الرئيسي في القاهرة.

الأنظار متجهة الآن إلى مصر. المزايدات كثيرة على قيادتها المضطرة للسير كما على الحبال. حماس جزء من الإخوان المسلمين، ومصر تحتاج إلى أن توازن بين دعمها لغزة، ووضعها الاقتصادي الذي يدفعها للتطلع إلى الولايات المتحدة والغرب لإنعاشه وتخفيض نسبة البطالة فيه. سوريا وإيران تريدان أن تتحول حماس إلى خط الدفاع الأول ضد إسرائيل، فلا يعود تركيز العالم على إيران النووية أو نظام بشار الأسد. ثم إن إيران كما حولت سوريا إلى ممر لأسلحتها إلى حزب الله في لبنان، تريد تحويل سيناء مصر، إلى ممر لأسلحتها إلى حماس و«الجهاد الإسلامي».

بعد فوضى «الربيع العربي»، صارت إيران مندفعة إلى تقوية «كيانات» داخل الدول قادرة على تحدي التوازن العسكري التقليدي، وفرض قواعد جديدة لا يمكن تغييرها بالرد الكلاسيكي عبر القصف العشوائي.

أخيرا، لن يسلم الخليج من الإرهاب الإيراني، فالإيرانيون الذين يبحثون عن طرق لإحراج السعودية يدعون أن الحوثيين في اليمن مدربون ومجهزون تماما مثل حزب الله في لبنان، وسوف يبدأون قريبا عملياتهم داخل المملكة.

وبعد، رحم الله ضحايا غزة!