هل يدرك الأطباء ما يريده المرضى منهم؟

TT

ثمة حاجة اليوم إلى إشراك المريض في اتخاذ القرارات المتعلقة بكيفية معالجته، خاصة حينما تكون أمام الطبيب والمريض خيارات متعددة، وأيضا حينما تتفاوت مستويات القدرة والاستطاعة بين منشآت تقديم الرعاية الصحية، وتتفاوت كذلك إمكانيات الحصول عليها لدى المرضى، وفوق هذا وذاك تتفاوت رغبات المرضى وإراداتهم وقدراتهم بشأن مدى تلقي الرعاية الصحية ومتطلبات إتمامها.

الجانب المتعلق بالأطباء في شأن إشراك المريض في اتخاذ قرارات معالجته، يتطلب منهم أن يتقنوا أولا كيفية تقديم الرعاية الطبية، وأن يتقنوا ثانيا انتقاء الوسائل العلاجية الممكنة والمتوافرة، وأن يتقنوا ثالثا بناء قرار النصيحة الطبية التي تقال للمريض بالتوازن بين ما هو ملائم وما هو لازم له ولحالته المرضية.

ولأننا في نهاية الأمر نعود كأطباء إلى المريض، كما نحن نبدأ منه، فإن إشراك المريض بالطلب منه إبداء ما الذي يفضله كوسيلة أو طريقة للمعالجة، هو مبني في الأساس على ما الذي فهمه المريض عن المرض، وما الذي فهمه عن درجة تغلغل المرض لديه، وما الذي فهمه عن الوسائل والطرق المتاحة لمعالجة حالته، وما الذي فهمه عن نتائج وعواقب اتباع واستخدام أي منها. أي أننا نعود إلى نقطة: هل أعطينا المريض القدر الكافي من التثقيف حول حالته كي يكون عونا لنا في إيضاح رغبته؟

سماع «رغبة المريض» (patient›s preferences) شأن إنساني ومهني على قدر عال من الأهمية والحساسية، لأن النتائج لدى المريض لا تقارن كما النتائج لدى الطبيب. الطبيب يُقارن بين «كيف كنا وكيف صرنا» بناء على نتائج الدراسات الطبية وإحصائيات نتائج تقديم الرعاية الطبية في المراكز ذات الدرجات المتقدمة والدرجات المتقدمة جدا عالميا ومحليا. بينما النتائج لدى المريض هي بالمقارنة مع «كنت أتوقع كذا وكذا» و«الذي حصل مع فلان وفلان من المرضى هو كذا وكذا». والمحصلة ربما عدم رضا المريض أو فقد الثقة بالطبيب أو هدر في موارد الطاقات البشرية والمادية في المستشفيات.

ودون تثقيف المريض والتأكد من فهمه لما يُقال له، ودون سؤاله مباشرة ومناقشته حول ما الذي يرغبه ويُفضله، يبقى السؤال: هل الأطباء يُدركون أو يفهمون «على الطاير» وبـ«الخبرة» ما هي «رغبة المريض» في كل حالة مرضية يتولون معالجتها؟

دعونا نراجع هذه الدراسة الطبية الصادرة لباحثين من «مركز دارتمواث لعلوم تقديم الرعاية الصحية» في مدينة هانوفر بولاية نيوهامشير الأميركية، والمنشورة في عدد 8 نوفمبر (تشرين الثاني) للمجلة الطبية البريطانية «BMJ» التي عرضوا فيها نتائج دراستهم حول معرفة الأطباء بما يفضله المرضى في معالجتهم وما هي تكاليف سوء الفهم في هذا المضمار.

وقال الباحثون إن الأطباء غالبا ما «يهملون» أو «يتجاهلون» أو «لا يفهمون» ما الذي يريده المرضى ويفضلونه، وأن «الخطأ في تشخيص الرغبة» (preference misdiagnosis) قد يكون ضارا بالمرضى فوق ما يتوقعه الكثيرون. وأكد الباحثون أن الأطباء ليس في مقدورهم أن يقدموا النصيحة بالطريقة الصحيحة لمعالجة المريض ما لم يُدركوا فهم «ما الذي يُفضله المريض» بشكل واضح.

لكن على الرغم من هذا، توصل الباحثون في دراستهم إلى أن ثمة «فجوة»، وصفوها بالواسعة، بين ما يرغبه المريض وما يعتقد الطبيب أن المريض يرغبه. وكمثال على ذلك، وجدت إحدى الدراسات الطبية أن 71 في المائة من الأطباء يعتقدون أن الرغبة الأولى لمريضات سرطان الثدي هي إبقاء الثدي، بينما الحقيقة هي 7 في المائة وفق نتائج سؤال المريضات أنفسهن. وبين 71 في المائة و7 في المائة فجوة واسعة حقيقة تدل على البون الشاسع في فهم الطبيب لرغبة مريضه. وساق الباحثون نتائج العديد من الدراسات التي تناولت سرطان البروستاتا وحالات عته ألزهايمر وغيرهما.

وقال ألبرت ميوللي، الباحث الرئيسي في الدراسة من المركز المذكور «التأكد من أن طريقة المعالجة توافق رغبة المريض ليس بمجرد سؤال المريض ماذا تريد، بل يتطلب ثلاث خطوات محددة، أولاها عقلية طبية غير متحيزة تعتمد الفرز المبني على المعرفة العلمية، وثانيتها استخدام البيانات والحقائق للوصول إلى التشخيص، وثالثتها إشراك المريض في المراحل الثلاث المعروفة لاتخاذ القرار وهي: العمل كفريق، وتداول الآراء، والحديث عن صيغة القرار قبل اتخاذه».

والواقع، مما لاحظه الباحثون، أنه على الرغم من الدواعي القانونية في ما يجب أن يفعله الطبيب مع مريضه عند اتخاذ قرار طريقة المعالجة، فإن فهم واستيعاب ما الذي يرغبه المريض يسهم في خفض الكلفة المادية للمعالجات الطبية، وإن كثيرا من المرضى قد لا يرغبون في الطرق المعقدة للمعالجة ولا يرغبون في تحمل عواقبها المحتملة ولا يفضلون الخضوع للمراحل الكثيرة في المعالجة.

وأضافوا نقطة مهمة أنه مما يستحق الاهتمام والنظر تحديات متطلبات الميزانيات المالية الضخمة التي تواجهها أنظمة تقديم الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم، وكيفية تدبير خفض تكاليفها لتوافق ما يريده ويرغبه المرضى حقيقة. وإذا ما التفت الأطباء إلى ممارسة عملهم بطريقة تتميز بجودة الأداء في التعامل مع المريض وتثقيفه بطريقة واعية، فإن مسار المعالجة يكون أكثر واقعية في تلبية رغبة المريض بالإمكانات المتوافرة دون جنوح نحو الهدر غير المبرر.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]