الدولة الكبرى الرقم 5

TT

عام 1973 أدى الحظر العربي على النفط إلى مضاعفة الأسعار. وانعكس ذلك على المنتجين العرب كما انعكس على سواهم. وفيما وسعت الدول العربية مدى المساعدات ومشاريع التنمية التي تمولها في الداخل والخارج، وقف شاه إيران يعلن هدف بلاده: أن تصبح خامس قوة كبرى في العالم. قبل مَن بعد مَن مكان مَن؟، ترك ذلك دون تحديد. لكن القوى الأربع الكبرى المعروفة آنذاك كانت أميركا، بريطانيا، فرنسا والاتحاد السوفياتي، بكل جبروته العسكري.

بعد هذا الإعلان أعطى محمد رضا بهلوي حديثا صحافيا إلى «دير شبيغل». هذه المرة لن تحتاج إيران «إلى جيل واحد» لتصبح خامس قوة كبرى، بل فقط إلى عشر سنوات لكي «تلحق بالمستوى المعيشي في أوروبا». ولكن، جلالتكم، قال مندوب المجلة، لقد مضت قرون قبل أن تصل أوروبا إلى ما هي عليه اليوم. أعرف، أعرف، قال الشاه للصحافي الجاهل، لكن نحن سوف نقطع كل هذه القرون في عقد واحد. ولكن، صاحب الجلالة، قال الصحافي الإعلامي في اعتذار شديد، «ولكن، أنا عائد للتو من جولة في الداخل الإيراني، حيث كل شيء كما في القرون الوسطى. حيث الفلاحون يستخدمون سماد الماشية للطاقة».

أعرف، أعرف، ردَّ الشاه، اعطنا عشر سنين ثم عد إلينا. عندما عاد الرجل بعد عشر سنوات، لم يجد الشاه. لكنه وجد الدولة الكبرى الخامسة في قتال مع الجيش الرابع في العالم، جيش العراق، ووجد أن أسراب الفانتوم عاجزة عن الإقلاع عن الأرض.

لم يتغير منطق الجمهورية الإسلامية عن لغة الشاهنهانية. كل يوم هناك عرض للصواريخ أو البوارج أو للطائرات. لكن لا حديث إطلاقا عن مستوى المعيشة وأين أصبح. ولا أحد يعرف شيئا عن الأوضاع الحياتية في إيران. ولكن بين فينة وأخرى هناك تصريح عن تحرير القدس في وقت قريب. لا مكان للقضايا الصغيرة في الخطاب الإيراني.

توقف هيرودوتس، أبو المؤرخين، في بلاد فارس، حيث اطلع على خطب ألقاها معارضو النظام القائم وقال أحدهم، ويدعى أوتانيس، «لم يعد من الجائز أن يكون لرجل واحد السلطة المطلقة. لقد رأينا إلى أين حملت غطرسة القوة قمبيز. السلطة تعطي الفرد الحق في فعل ما يشاء، من دون رقابة أو مسؤولية. حتى أفضل الناس في هذه الحال يفقد توازنه ويخيل إليه أنه فوق البشر».

من أيام قمبيز إلى أيام الشاه إلى هذه الأيام، لا تزال اللغة الإيرانية دون تغيير. تهدد إسرائيل وأميركا لكنها تخاطب العرب. وأساطيلها لم تذهب أبعد من الجزر المحتلة في الإمارات.