كيف نفهم الشراكة؟

TT

إن مشروع بناء الدولة هو طموح جميع العراقيين سواء كانوا سياسيين أو اقتصاديين أو تربويين أو مواطنين عاديين، وهذا الشعور يتنامى يوما بعد آخر في ظل الحاجة القائمة للدولة التي هي العنوان الأكبر الذي يجمع كل مكونات الشعب العراقي. وهذا ما يؤمن قيام دولة المؤسسات والقانون وفصل السلطات واستقلاليتها بالشكل الذي يؤمن عدم التقاطع بين مفهوم الدولة ومفهوم الحكومة، وما بين الحكومة والسلطات الأخرى كالسلطة التشريعية والقضائية، وما بين الحكومة والهيئات المستقلة التي تكون جزءا من الدولة الراسخة.

وبالتأكيد هنالك فرق كبير جدا بين مفهوم الدولة القائمة على نظام المؤسسات وبين الحكومة التي تمثل السلطة التنفيذية لهذه الدولة والتي تتشكل بفعل الانتخابات ونتائجها وفقا للدستور السائد والنافذ، وهنا لا بد أن نشير إلى الظروف السياسية الراهنة في العراق والتي تتطلب البدء ببناء حكومة متماسكة كفوءة للشروع ببناء الدولة المؤسساتية الناجحة بغية إيجاد الأجواء المناسبة التي من شأنها أن تعزز مكانة الدولة في الفهم العام لدى الناس. ويمكننا القول إن المؤسسات والهيئات المدنية والمستقلة الموجودة الآن والتي هي جزء من الدولة وتركيبتها كالنزاهة والمفوضية العليا للانتخابات ومجلس القضاء الأعلى وغيرها من الجهات غير المرتبطة بالحكومة هي جزء من الدولة، ونحن في العراق بحاجة إلى إعادة صياغة وبناء هذه المؤسسات ومحاولة إبعادها عن التأثير والتأثر بنهج الحكومة لأن هذه المؤسسات والهيئات كما قلنا هي ركن مهم من أركان بناء دولة المؤسسات شأنها في ذلك شأن الحكومة التي هي جزء من الدولة وتمثل الجانب التنفيذي الذي يخضع للرقابة من السلطة التشريعية التي تمنحه الثقة الدستورية.

لهذا نجد أن دعوات بعض الكتل السياسية بمحاولة جر هذه المؤسسات المستقلة ومحاولة إدراجها فيما يعرف بتقاسم السلطة هي محاولة لتفتيت ركائز الدولة العراقية، إذ يجب علينا أن نعي جيدا أن هذا يمثل حالة من شأنها أن تؤسس لتقاسم سلبي للسلطة على حساب الدولة نفسها ومحاولة تذويب مؤسسات الدولة داخل الحكومة، خاصة أن البعض ما زال لا يميز بين الدولة ككيان ثابت والحكومة كسلطة متحركة تتغير حسب رغبات الناخبين كل فترة من الزمن وحسب ما ينص عليه الدستور العراقي.

وحتى مفهوم الشراكة الوطنية الذي تم بموجبه اتفاق الكتل السياسية، هو مفهوم ليس ببعيد عن التوافقية التي تقفز على نتائج الديمقراطية نفسها بل وتصبح في أحيان كثيرة بديلا عنها، وقد يعزو البعض هذا الأسلوب في إدارة الحكم في العراق إلى الظروف الراهنة التي يعيشها البلد والتي تفرض إيجاد آليات تمكن جميع القوميات والإثنيات الدينية في المجتمع من الاشتراك في السلطتين التشريعية والتنفيذية وينتقل هذا آليا للسلطة القضائية، والاشتراك في السلطة التشريعية أي التمثيل البرلماني مكفول بموجب الدستور لكل الأقليات في العراق سواء كانت أقليات دينية أو عرقية، أما مسألة إشراكها في السلطة التنفيذية فهي مسألة بالتأكيد تخضع للتوافقات السياسية أو مبدأ الشراكة، ونحن لسنا ضد مبدأ الشراكة لكننا ضد مبدأ تقاسم الدولة ككيان ثابت تحت مسميات الشراكة وغيرها ومحاولة تقاسم المؤسسات الثابتة التي أشرنا إليها كالنزاهة ومفوضية الانتخابات ومجلس القضاء الأعلى واعتبارها جزءا من الحكومة من جهة وتقاسمها وفق ما هو موجود من طوائف، لأن ذلك يفقدها مهنيتها والغاية من وجودها.

لهذا نجد أن قادتنا وسياسيي البلد يجب أن يضعوا أمامهم مبدأ العمل الجماعي بديلا عن الشراكة بمفهومها السائد الآن في قاموس المفردات العراقية، لأن الفهم الخاطئ لمفهوم الشراكة يؤدي إلى تكوين دويلات داخل الدولة الواحدة خاصة إذا ما انطلقت هذه الرؤى من أطر ضيقة ونظرة أحادية الجانب لدرجة يكون الانتماء للطائفة والقومية أكثر من الانتماء الوطني للدولة بتعريفها الشامل الجامع لكل أطياف الشعب ومكوناته.