حماس وإسرائيل.. انقلب السحر على الساحر

TT

كانت أول مرة تشن فيها إسرائيل حربا على حركة حماس وقطاع غزة في السابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) عام 2008. واستمر هذا الهجوم لمدة ثلاثة أسابيع، وأدى إلى مقتل أكثر من 1400 فلسطيني، وفشلت إسرائيل في تلك العملية التي كانت تعرف باسم «الرصاص المصبوب» وقبلت بوقف إطلاق النار في نهاية المطاف في الثامن عشر من يناير (كانون الثاني) عام 2009. وانتهت منذ أيام حرب جديدة ضد الفلسطينيين عرفت باسم «أعمدة السحاب».

وتسعى إسرائيل لوضع هذه الحرب في إطار يبرر شرعيتها، حيث تدعي أنها شنت هذه العملية ضد حركة حماس والجهاديين الإسلاميين، وأن إسرائيل لا تريد سوى حماية مواطنيها وضمان سلامتهم، ولا سيما في عسقلان.

ويبدو أنه قد تم الإعداد لهذه العملية عقب فشل عملية «الرصاص المصبوب» في تحقيق أهدافها الرئيسية. وعلى الجانب الآخر، يمكن أن ننظر إلى هذه العملية على أنها بمثابة انتصار للفلسطينيين، ولا سيما بالنسبة لحركة حماس وإدارة غزة.

عندما شنت إسرائيل حربها الأولى على القطاع، كان هناك الرئيس مبارك في مصر والرئيس جورج دبليو بوش في الولايات المتحدة، أما الآن فتواجه إسرائيل موقفا جديدا ومختلفا تماما. وما أود أن أقوله هو أن إسرائيل قد كررت نفس الخطأ مرتين أو ثلاثا، ويمكننا القول بأن إسرائيل لن تلدغ من جحر واحد ثلاث مرات.

ربما اعتقد نتنياهو وإيهود باراك وأفيغدور ليبرمان أن هذه العملية سوف تعضد موقفهم في الانتخابات القادمة، ولا نزال نتذكر أن شيمعون بيريس قد أمر باغتيال يحيى عياش في العملية التي نفذها «الشين بيت» في الخامس من يناير عام 1996 قبيل الانتخابات، ومع ذلك خسر بيريس الانتخابات، ولذا أعتقد أنه من الصعوبة بمكان أن تصب هذه العملية في مصلحة نتنياهو في الانتخابات القادمة.

وكان أحمد الجعبري هو ضحية العملية الجديدة هذه المرة. وفي الحقيقة، كانت العملية الإسرائيلية نتاجا لمجهود استخباراتي كبير، فعلى مدى أشهر قام جهاز الشين بيت (برئاسة يورام كوهين) ومسؤولو مخابرات جيش الدفاع الإسرائيلي (بقيادة الجنرال أفيف كوتشافي) بجمع المعلومات الاستخباراتية من أجل استغلال الفرصة المناسبة وتدمير مخابئ الصواريخ في غزة، حيث كان بعض هذه الصواريخ قادرا على الوصول إلى تل أبيب، وحتى المناطق الشمالية في إسرائيل.

وبدأت الهجمات الصاروخية لحماس على تل أبيب تدخل فصلا جديدا في هذه الحرب الدامية، وأصبحنا الآن نواجه جبهتين رئيسيتين؛ الأولى هي الحرب في قطاع غزة، والثانية المفاوضات التي كانت تجري في القاهرة. وقال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل إن المقاومة الفلسطينية أثبتت بسالة وشجاعة منقطعة النظير، مضيفا: «انقلب السحر على الساحر، فبدت إسرائيل المسلحة والمستعدة للعدوان هي الخائفة من رد الفعل الفلسطيني الذي تفاجأت به».

ما رأي كبار الساسة الإسرائيليين في هذه العملية؟ هل يؤيدون قرار نتنياهو، أم ينتقدونه؟ وحتى أعرف الإجابة عن هذه الأسئلة، وجدت مقالين مهمين للغاية في صحيفة «هآرتس» العبرية، الأول في التاسع من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) لموشيه أرنس، الذي تولى الكثير من المناصب الهامة، منها وزير الدفاع ثلاث مرات، ووزير الخارجية وسفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة، الذي أكد أنه لا يمكن ردع الإرهابيين، وطرح سؤالا مهما للغاية للتأكيد على وجهة نظره، حيث تساءل: «هل ستحقق هذه العملية هدفها الأساسي؟ هل من الممكن أن تعمل على ردع الإرهابيين؟ في هذه العملية، يتعين علينا أن ننزع سلاح حماس وأن ندمر صواريخها وأن نغلق طرق المرور. يجب أن تكون هذه هي الأهداف النهائية للعملية العسكرية أو المبادرة الدبلوماسية. من السهل الحديث عن هذه الأهداف، ولكن من الصعب تنفيذها».

وأضاف أرنس: «كانت حكومة أولمرت غبية للغاية عندما اتخذت قرارا بوقف عملية (الرصاص المصبوب) قبل الانتهاء من المهمة. والآن، لم يعد هناك حسني مبارك، ونحن الآن نواجه وضعا مختلفا تماما. وحتى لو كان بإمكاننا تدمير الترسانة الصاروخية لغزة بالكامل، فبإمكانهم أن يقوموا بتجديد صواريخهم بعد عدة أشهر».

ويبدو أن أرنس يدرك جيدا أن الحديث سهل ولكن القيام بأفعال ملموسة على الأرض شيء صعب للغاية، وكما يقول المثل الإنجليزي «من السهل أن تبدأ، ولكن من الصعب أن تصل للنهاية»، وهذه هي طبيعة الحرب دائما.

وعلى الجانب الآخر، يرى عامي أيلون، وهو مدير أمن سابق في الشين بيت وعضو مؤسس حركة «بلو وايت فيوتشر»، الأمور من وجهة نظر مختلفة تماما، حيث كتب مقالا في التاسع عشر من نوفمبر في صحيفة «هآرتس»، يقول فيه إن الوقت الحالي مناسب للدبلوماسية. ورغم أن الجيش الإسرائيلي يعتقد أنه بإمكانه التفرقة بين حركة حماس والمواطنين الفلسطينيين، فإن أيلون يرى عكس ذلك، ويقول: «تعلمنا أنه لا يمكن القضاء على منظمة إرهابية عن طريق القوة العسكرية. الجناح العسكري لحركة حماس يحظى بدعم شعبي واسع ويقدم الشرعية والموارد اللازمة للعمل العسكري، ولذا فإن الضربة القاتلة لحماس ستكون عزلها عن قاعدة الدعم الشعبي، وهذا هو الهدف الذي يتعين على إسرائيل العمل على تحقيقه على المدى الطويل. والآن، لو استمرت إسرائيل في هذه الحرب، فسوف تستغل حركة حماس هذه الفرصة لتعضيد مكانتها بين الفلسطينيين والمسلمين في المنطقة. وثانيا، يمكن أن تصبح حماس بديلا يقوم بقيادة جميع الفلسطينيين».

هذا التناقض في وجهات النظر يعكس الموقف المعقد حاليا في إسرائيل، وهناك قدر معين من الاختلاف أو التناقض بين كبار الساسة الآخرين في إسرائيل، وبين الشخصيات الأمنية والعسكرية. وفي الحقيقة، أيلون محق تماما في وجهة نظره، لأن حماس تحظى بدعم شعبي من الفلسطينيين، ونادرا ما نسمع عن أي حالة فساد في صفوف حركة حماس، حيث يعيش قادة الحركة مثلهم مثل جموع الشعب الفلسطيني، ولا يشاركون في أي أنشطة تجارية مع الفلسطينيين، وهذا هو السر الرئيسي وراء قدرتهم على المقاومة وتحقيق الانتصار. إنني أريد أن أخبر أيلون أنني لا أعتقد أنه بإمكانكم التفرقة بين حركة حماس وبين مؤيديها! ومن الواضح للغاية أنه لا يمكن لإسرائيل أن تقتل جميع الفلسطينيين. وللمرة الثالثة، سوف تواجه إسرائيل عواقب وتداعيات غير مقصودة لعملياتها، لأن العالم مسطح، على حد قول توماس فريدمان. في الحقيقة، يمكن لنتنياهو أن يستمر في الحرب في المستقبل، كما يمكن للجيش الإسرائيلي أن يقوم بإعادة احتلال غزة مرة أخرى، ولكن هذه لن تكون نهاية فلسطين أو حركة حماس. لقد تم وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس بعد 8 أيام من القتال، وهو وضع جديد تماما على الساحة. وكانت إسرائيل قد وافقت على وقف إطلاق النار في أول حرب لها على غزة بعد 22 يوما، وهو ما يعني أن القادة الإسرائيليين لم يلقوا بالا لنصائح موشيه أرنس.