هل يمكن أن تطبق أميركا نمط دولة الرفاه مثل السويد؟

TT

كتب زميلي بول كروغمان ردا مثيرا للاهتمام على مقالي الذي نشر يوم الأحد في صحيفة «نيويورك تايمز» والذي انتقدت فيه غطرسة شعار أوباما «الفوز بالمستقبل»، الذي ينتاب اليسار بالإشارة إلى جذور الأغلبية الديمقراطية الناشئة، بينما وصفته بـ«التفكك الاجتماعي» و«الخوف الاقتصادي». ووافق كروغمان على النصف الأخير من هذا الوصف، لكنه أكد أن العوامل الاقتصادية تفوق، بشكل كبير، العوامل الاجتماعية.

الحقيقة هي أنه عندما تحس النساء غير المتزوجات وأبناء الأقليات في أميركا بعدم أمان أكثر من النساء البيض المتزوجات، يزداد القلق لدى الجميع، مدفوعا بالتغيرات في الاقتصاد، فبنيتنا الصناعية ربما تكون أقل استقرارا عما كانت عليه، ولا يمكنك الرهان في الوقت الراهن على نجاة الشركات الكبيرة، ناهيك بالحفاظ على هيمنتها على مسارها في المستقبل. والتوقعات التقليدية لوظيفة جيدة، خطة معاش محددة، وخطة رعاية صحية جيدة، بدأت بالتبدد على جميع المستويات في أميركا.

وبات ليس بمقدور الأفراد القيام بأي شيء في حياتهم الشخصية أو سلوكهم لتغيير هذا الواقع. فكنيستك وزواجك التقليدي لن يضمن خطة تقاعدك أو يجعل التأمين متوافرا في السوق الشخصية.

ومن ثم، فإن التساؤل الآن هو: هل هذا تحديدا نوع الاقتصاد الذي ينبغي أن تملكه دولة رفاه قوية؟ أليس من الأفضل أن نحصل على ضمانات رعاية صحية وتقاعد أساسي من الضمان الاجتماعي، بدلا من السعي إلى شبكة أمان الشركات التي لم تعد موجودة؟ ألا يعتقد البعض أن جزءا من الأمن الاقتصادي الأساسي سيزيد من حركة اقتصادنا الديناميكي، عبر خفض عامل الخوف؟

أنا أتفق مع هذا في جزء منه، فالفشل الواضح لسياسة الجمهوريين الاقتصادية منذ التسعينات كان يتمثل في غياب أجندة - بغض النظر عن الصعود المؤقت لـ«المحافظية المتعاطفة» - موجهة للاضطرابات التي أسهمت ثورة ريغان في اندلاعها، والضغط على رواتب الطبقة المتوسطة والعاملة التي شكلها مزيج المنافسة العالمية وارتفاع نفقات الرعاية الصحية. وسط مثل هذه الضغوط، لم تكن المحافظية الاجتماعية وحدها كافية، فيقول نواه ميلمان، من «أميركان كونسيرفاتيف»: «ثقافة الزواج تتطلب أساسا ماديا، يبدو صعب المنال بالنسبة للكثير من الأميركيين».

بيد أن ما أختلف فيه مع زملائي هو التساؤل حول ما إذا كانت دولة الرفاه الأميركية القائمة قوية بالأساس، وأنها ليست بحاجة سوى إلى التوسع لمواجهة هذه التحديات، أو ما إذا كان علينا أن نتطلع إلى ضبط وإعادة هيكلة بعض النطاقات (الاستحقاقات، بشكل خاص)، رغم محاولتنا معالجة عدم الأمن في الأخرى. أنا أحمل بداخلي قلقا أكثر من كروغمان، (على الأقل في الوقت الراهن) بشأن النمو الاقتصادي الأميركي في ظل عجز الميزانية طويلة الأجل، أكثر مما يحمله هو بشأن التنافسية الأميركية، في عالم ترتفع فيه الضرائب والإنفاق بشكل أعلى، مما كانت عليه في فترة ما بعد الستينات، وبشكل أكبر بشأن بعض ردود الفعل السلبية التي تميل دول الرفاه الكبيرة إلى تنفيذها - نحن في دولة يؤثر فيها الإنفاق على كبار السن وعلى الأسر في سن العمل، ويؤثر فيها تقويض انخفاض معدلات المواليد النظام السكاني الأساس. ولعل ذلك هو السبب في ميلي إلى اعتقاد أن علينا أن نسعى للوصول إلى حلول مثلى تتخذها الحكومة بناء على مبدأ المساواة في ما يتعلق بهذه القضايا، بدلا من مجرد السماح لدولة الرفاه بالنمو بسرعة كبيرة، فنحن بحاجة إلى سياسات تجريبية تزيد العائدات لصالح العائلات الأميركية (سواء أكان ذلك يعني أن ائتمان ضريبة الطفل الجديد، وائتمان ضريبة دخل موسعة، وتخفيضا دائما لضريبة الرواتب، مزيد من الإصلاحات لسوق التأمين الصحي، أو شيء مختلف كلية)، لكن هذه السياسات بحاجة لأن تكون مصحوبة بإصلاحات استحقاق رئيسية وضبط الإنفاق في مجالات أخرى أيضا.

أنا أختلف مع زملائي أيضا في أنه «لا شيء» بشأن خيارات الأفراد الشخصية يمكن أن يخفف من المشكلات المرتبطة بانعدام الأمن الاقتصادي. الحقيقة هي أن ريك سانتورم هو من قال إن ذلك يدفع، دون شك، الكثير من الليبراليين ضد هذه النقطة، لكن حملته كانت تكرر أن الكثير من الأفراد يحسنون من وضعهم بالابتعاد عن الفقر بمجرد الحصول على شهادة الثانوية العامة، والحصول على عمل دائم، وعلاوة على ذلك الزواج قبل إنجاب الأولاد. صحيح أن الصلة ليست دائما سببية، وصحيح أن هناك الكثير من المتغيرات المعقدة التي تعرقل مسار حياة الفرد، لكن لدينا ما يكفي من المعلومات بشأن القضية للقول، بنوع من الحسم، إن عصر عدم الاستقرار الاقتصادي لم يقطع الصلة التقليدية بين الفضائل البرجوازية والأمل في أن نصبح برجوازيين. (وكما يقول كيفن درام، في أن هذه نقطة لا يبدو أن أحدا من المستويات العليا من المسؤولين الأميركيين يشك فيها).

وينطبق هذا حتى على السويد، الدولة التي يستحضرها كروغمان في ختام مقاله كنموذج لكيفية تحقيق دولة رفاه قوية. في واقع الأمر، يعتبر معدل فقر الأطفال في السويد أقل بكثير منه في أميركا، رغم أن معدل المواليد خارج إطار الزواج لديهم أعلى، ويرتبط نطاق الإنفاق الاجتماعي لديهم بشكل واضح بهذه الحقيقة. (الأهم من ذلك أن تصميم تلك النفقات يحمل بعض الدروس بالنسبة للمحافظين الأميركيين، نظرا لأن السويديين قد مزجوا بين الإعانات الأسرية الهائلة ومفهومهم الخاص عن إصلاح نظام الاستحقاقات. ورغم ذلك، فهناك ثلاثة توضيحات رئيسية مرتبة حسب أهميتها. أولا، حتى مع كون السويد أكثر تأييدا للمساواة في الحقوق من الولايات المتحدة، فإن الارتباط بين فقر الأطفال وهيكل الأسرة ما زال واضحا للعيان بشكل كبير، كما أن الأسر غير المتضررة تورث تبعات أسوأ لأطفالها في الدول الاسكندنافية. ثانيا، رغم ارتفاع معدل المواليد خارج إطار الزواج في السويد، تزداد احتمالات نشأة الأطفال السويديين في أسر مستقرة يوجد بها الأم والأب عنها بالنسبة للأطفال الأميركيين: بعبارة أخرى، ربما يكون معدل الزواج أقل، لكن الأسر السويدية أكثر استقرارا حتى عندما لا يجمع الوالدين إطار الزواج. يشير هذا الإيضاح الثاني بدوره إلى الثالث والأكثر أهمية، وهو أن المجتمع السويدي يختلف عن المجتمع الأميركي بصورة جوهرية، مما يجعل عقد مقارنات بين الدولتين أمرا غاية في الصعوبة.

وتشير التجربة السويدية إلى أنه بإمكان مجتمع دولة الرفاه أن ينجو من اضمحلال دور الدين وانهيار الزواج التقليدي، من دون أن يأتي ذلك على حساب ازدهار الطبقة المتوسطة. غير أن هذا النجاح يرتكز على مستوى من التجانس الثقافي وإرث من رأس المال الاجتماعي غير المتاح، في دولة تجمع بين سمات الإمبراطورية والجمهورية مثل أميركا. تعداد سكان السويد هو نفس تعداد سكان نورث كارولينا، ولا توجد بها تعددية لغوية أو دينية حقيقية ولا إرث من مع العبودية أو الهجرة الجماعية، رغم أن معدلات الفقر بين أطفال المهاجرين ترتفع حديثا في السويد، بشكل عارض، مقارنة بمستويات المعيشة بين أطفال السكان الأصليين، وفي السويد ثقافة توفير وتدبير على الطراز اللوثري تصمد، حتى رغم أن اللوثرية نفسها أوشكت على الاندثار. وتعتبر أميركا دولة التعددية والاختلافات الثقافية واسعة النطاق، ولهذا، تعين على أميركا دائما التعلم بشكل أكبر من المجتمعات الأصغر والأكثر تجانسا على نطاق أوسع، لتعزيز الاستيعاب، وتشجيع الحركة المتصاعدة، وجعل السعي وراء السعادة ممكنا للناس من مختلف الفئات. وحتى إذا كان المثال الاسكندنافي المقابل – الذي يعوض فيه وجود حكومة قوية عن نسيج اجتماعي مهلهل - يمكن تطبيقه هنا، فإنه يقدم عددا أقل من الدروس من ما يمكن أن يفكر كثير من الليبراليين. إن الروابط التي تربط أفراد المجتمع السويدي معا ليست مجرد إنتاج لدولة الرفاه فقط ولكن نتاج لعوامل أخرى.

* خدمة «نيويورك تايمز»