غزة ونظرية غيورا إيلاند

TT

«لا تغيير في قواعد اللعبة، ولكن استنساخ درس الضاحية الجنوبية بشأن غزة».

الجنرال غيورا إيلاند، وهو مستشار ذو شأن في المؤسسة الحاكمة بإسرائيل، اعترض على تصنيف الأهداف العسكرية للجيش الإسرائيلي في غزة، على أنها عسكرية مشروعة ومدنية ممنوعة، مضيفا هدفا ثالثا هو البنية التحتية التي حين تدمر فإنها تعوق قدرة النظام في غزة على الحكم، وبالتالي قدرته على إلحاق الأذى بإسرائيل.

ولقد أوضح إيلاند ما يعتبره أهدافا مشروعة في حالة الحرب مع «دولة غزة» كما يسميها، إذ قال:

«لو كان في غزة نقص متواصل في الماء والوقود، ولو كانت شبكة الكهرباء تضررت بشدة، ولو كانت شبكة الاتصالات خرجت عن نطاق العمل، ولو كانت مباني الحكم ومحطات الشرطة مدمرة، لكان يمكن التصديق بثقة أكبر أن الردع تحقق، هذا درس مهم للحرب القادمة في غزة، وليس أقل أهمية أيضا بالنسبة للبنان».

في وضع كهذا، أي حين تحدث حرب جديدة وعلى الأرجح أن يكون توقيتها الربيع المقبل، أي بعد الانتخابات الإسرائيلية، واستقرار الحكومة المنبثقة عنها، فكيف ستكون الصورة آنذاك.. كيف سيكون وضع السلطة في رام الله أولا، والتي ستكون قد فازت في تصويت الأمم المتحدة ودخلت مرحلة جديدة من المواجهة غير العسكرية مع إسرائيل؟ ثم كيف سيكون الوضع في مصر التي دخلت بقوة على مجرى حرب الأيام الثمانية وأخرجت بجهدها كل الأطراف من عنق زجاجة، بحكم حاجة الجميع إلى وقف إطلاق النار، ثم كيف سيكون موقف تركيا وقطر شريكتي مصر في العملية السياسية؟ وأخيرا كيف سيكون موقف الولايات المتحدة التي غطت الحرب بذات الكفاءة التي غطت بها وقف إطلاق النار؟

ولنحاول قراءة المواقف ولو بصورة تقريبية ولنبدأ بالسلطة في رام الله، فليس لديها في واقع الأمر ما تفعل أكثر مما فعلت في الحرب التي سيكون اسمها آنذاك الحرب السابقة، سوف تندد وتدعو العرب والعالم إلى تحمل مسؤولياتهم، وبالتأكيد ورغم صعوبة الموقف مع إسرائيل فإنها سترسل ما تستطيع من دعم مادي وستسمح للجماهير بالنزول إلى الشوارع وإظهار الدعم لغزة والتضامن الأخوي معها.

أما مصر التي لا يعرف أحد حتى الآن متى سيستقر الوضع فيها بحكم الصراع الداخلي المتوالد والمتصاعد، فإنها ستبذل أقصى ما تستطيع من جهد لوقف إطلاق النار تحت عنوان الهدنة الثانية، وستضاعف الدعم الطبي اللوجيستي لغزة وقد تزيد من نشاطها العسكري والأمني في شبه جزيرة سيناء خشية استئناف أنشطة القوى الخارجة عن السيطرة هناك، مستغلة الاشتعال القوي الذي سينجم عن الحرب الجديدة على غزة، وقد تطالها بعض ألسنة النار بصورة ما.

لو تحققت رغبات إيلاند وأخذت بها القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل، فماذا بوسع الدول العربية والصديقة أن تقدم من دعم لغزة الصامدة حتما؟ لقد التهمت الحرب كل ما قدمته قطر من دعم وفوقه ثلاثة أضعافه، حسب رواية حماس ذاتها وتقديرها للخسائر المادية، ذلك أن إيلاند لا يغيب عن ذهنه هذا الوضع، فمن يواصل مد غزة بعشرات المليارات بينما كل ما يبنى يظل عرضة للإبادة في حرب راهنة أو أخرى قادمة؟

أما أميركا التي أسندت للرئيس مرسي دور الضامن لوقف إطلاق النار بصورة مؤقتة، فإنها لا تملك إلا حث إسرائيل، التي حسب المنطق الأميركي لها الحق في الحفاظ على أمنها، على عدم الإفراط في استخدام القوة، وإذا ما قامت إسرائيل بالتوغل البري جزئيا أو كليا، فسوف تدعوها إلى عدم إطالة البقاء في غزة، مع تجنب إلحاق المزيد من الخسائر بالمدنيين، وحين يتحرك جهد نحو مجلس الأمن، فإن أميركا سوف تستعيد من الأرشيف وثائق الحرب الأخيرة على لبنان، لبلوغ قرار يكلف العالم كله بحراسة إسرائيل برا وبحرا وجوا.

هذا ما سيحدث لو مرت نظرية غيورا إيلاند، وفرضت منطقها على القرار السياسي والعسكري الإسرائيلي.. نأمل أن تتحقق معجزة، ولا تقوم حرب أخرى على غزة، مثلما نأمل بتوديع نظرية «الضربة التي لا تميتنا تقوينا» وهي نظرية استعان بها المضروبون عقودا من الزمن، ولا مجال لإحصاء خسائرها المادية والبشرية.

إن تفادي الحرب الكارثية التي ينذر بها غيورا إيلاند ربما يكمن في استنساخ سيناريو الضاحية الجنوبية بأن ينفذ دون حرب وبذلك تكون إسرائيل قد وصلت إلى ذات الوضع الذي وصلت إليه مع حزب الله في جنوب لبنان، حيث الهدوء التام. رغم اللهجة العسكرية القوية الصادرة عن الجانبين.