لماذا أغضبهم الـ«باتريوت» على هذا النحو؟

TT

زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني الأخيرة إلى تركيا قد تكون للمشاركة في احتفالات عاشوراء وإلقاء كلمة في حشود الطائفة الجعفرية في إسطنبول والتذكير بثوابت إيران السورية، أكثر من أن تكون زيارة يتوقع منها أن تخرج بنتائج إيجابية تقرب وجهات النظر بين أنقرة وطهران التي توترت علاقاتهما أكثر فأكثر في الأيام الأخيرة بعد قرار تركيا استقدام صواريخ الـ«باتريوت» باسم حلف شمال الأطلسي استكمالا لخطوة نشر مظلات الصواريخ على حدودها الشرقية مع إيران.

اللقاء المطول بين رجب طيب أردوغان ولاريجاني أعقبه على الفور لقاء بين أردوغان ورئيس جهاز استخباراته هاقان فيدان، ثم لقاء آخر جمع رئيس الوزراء التركي وقيادات المعارضة السورية حيث تم تبادل الآراء في ما حمله لاريجاني من دمشق حول خطة الأخضر الإبراهيمي المرتقبة، بينما اختار الضيف الإيراني تمضية بقية الوقت بالتجول في قصر «دولمه بهشه» مركز التقاطع بين تاريخ الإمبراطورية العثمانية والدولة العلمانية الحديثة.

لاريجاني لم يتردد في تذكير الأتراك بأن طهران لن تتخلى عن النظام السوري؛ لا بل إنها لن تسمح بإسقاطه حتى ولو كان الثمن دخولها المباشر إلى دمشق لتنفيذ تعهداتها هذه. لكنه يعرف أيضا أن لعبة الباتريوت خطيرة حتما والطريق الأقصر لإقناع أنقرة بالتخلي عنها ليس التمسك أكثر فأكثر بنظام قطع كل علاقاته مع شعبه، بل بالتخلي عن حماية نظام يصر على دك المدن فوق رؤوس من تبقى من سكانها.

نشر الباتريوت بقدر ما لا يوفر الحل للأزمة السورية وسيزيد من تدهور الوضع كما تقول طهران، فإن سياسات حماية النظام والتغاضي عن أفعاله لن تساهم هي الأخرى في إخراج الشعب السوري من محنته هذه.

حكومة أردوغان تقول إن قرار اللجوء إلى الباتريوت جزء من استراتيجيتها الدفاعية، لكن الحقيقة هي أن استقدام هذه الصواريخ كما فعلت في مطلع التسعينات خلال مهاجمة صدام حسين الكويت ولم تستخدمها وقتها، يندرج في إطار سياسة دفاعية ضمن عملية هجوم شاملة قد لا يمكن تلافيها، يقودها حلف شمال الأطلسي على حسابه كما فعل أكثر من مرة وتكون تركيا مركز الثقل فيها. النصائح الروسية الأخيرة لأنقرة لناحية الضغط على المعارضة لقبول الحوار مع الرئيس السوري وعدم عسكرة الحدود التركية - السورية والتخلي عن عرض العضلات، سيقابلها الرد التركي بأن موسكو لا تريد هي الأخرى أن ترى سوى ما يعجبها ويناسبها. بأي سلاح وذخيرة يواصل النظام في دمشق عملياته في مهاجمة المدن؟ وأين المبادرات الروسية والإيرانية الملموسة على الأرض باتجاه إقناع القيادة السورية بالتخلي عن إشعال المنطقة؟

لافروف يحذر من نزاع مسلح بسبب نشر الصواريخ، لكنه لم يقل لنا هو الآخر أين ومتى وكيف سيكون هذا النزاع!

من حق طهران وموسكو أن تطالبا أنقرة بالضغط على المعارضة السورية لتليين مواقفها، لكن من حق أنقرة أيضا تذكيرهما بمواقفهما التي ساهمت في تشجيع النظام السوري على المضي في تعنته وتصلبه على هذا النحو.

استخدام حق النقض ومحاولات التغطية على حجم القمع والعنف ساهما بشكل أو بآخر في إيصال الأمور لدرجة طلب نشر الباتريوت؛ وهو طرح أطلسي قبل أن يكون تركيا، إلا إذا كانت موسكو تعرف ما لا يعرفه أحد، وهو أن يتخلى شركاء تركيا عنها في منتصف الطريق ويرفضون طلبها.

تركيا تعرف أنها من خلال نقلة بهذا الحجم لا تتحرك لقطع الطريق على الطيور الوافدة من دول الجوار. هي تريد أن تقول لمحذريها والعاتبين عليها إن استهداف أراضيها أو تهديدها بشكل أو بآخر يعني تهديد أمن دولة أطلسية قبل كل شيء. المواجهة المرتقبة لن تكون تركية – سورية؛ بل ستكون محورية بين حلفين؛ أحدهما يريد وضع حد لإراقة الدماء في المدن السورية، وآخر يصر على لعب ورقة النظام السوري حتى النهاية رغم أنه يعرف أنها خاسرة.

تركيا تتحرك بعد هذه الساعة ضمن منطق «أرض الناتو»، ومبادرة الإبراهيمي المرتقب الإعلان عنها هي الخط الفاصل بين المواجهة وقطع الطريق عليها.

البعض يصر على تحويل الأنظار عما يجري في سوريا عبر الترويج لسيناريو حماية الرادارات الإسرائيلية في شرق تركيا من خلال نشر الباتريوت، لكن أنقرة تعرف أيضا أن التأييد الذي تقدمه موسكو وطهران للنظام السوري لن يستمر طويلا خصوصا عندما تتعارض المصالح ويشعران أن قرار اللاعودة في الموضوع السوري دخل حيز التنفيذ بعد إعلان الأطراف المعنية رفضها مبادرة الإبراهيمي.