رسالة إلى أشتون

TT

أثناء زيارة كاثرين أشتون - نائب رئيس المفوضية الأوروبية - لمدينة الأقصر أعلنت أن الاتحاد الأوروبي سوف يساهم في إنشاء كلية لدراسة الآثار الفرعونية بالأقصر، مدينة الفراعنة وعاصمة دولتهم خلال عصر الدولة الفرعونية الحديثة! كلام غريب لا أعتقد أنه سينفذ على أرض الواقع، فالمؤكد أن الاتحاد الأوروبي إذا تشاور مع المهتمين بالشأن الأثري في مصر سيدرك عدم الحاجة إلى كلية جديدة تدرس الآثار الفرعونية؛ خاصة في ظل وجود هذا العدد الهائل سواء من كليات الآثار وأقسام الآثار بكليات الآداب بجامعات مصر، ومعاهد الآثار والتي تدفع كل عام بآلاف الخريجين الذين لا يجدون لأنفسهم عملا في مجال دراستهم فيتجه معظمهم للعمل بقطاع السياحة. وبعد ما أصاب السياحة من أزمات متلاحقة، خرج هؤلاء في مظاهرات تطالب بوظائف حكومية في الآثار لتأمين عيشهم. أضف إلى ذلك أن العمل في الحقل الأثري يحتاج إلى تدريب ومهارات خاصة لا يكتسبها طلبة الآثار أثناء دراستهم وإنما من خلال دورات تدريبية تعرف بمدارس الحفائر والتي تعلم المتدرب كيف يكتشف الأثر ويرممه ويوثقه وينشره النشر العلمي الصحيح وعلى مستوى الباحث الأجنبي. وهذه المدارس بدأتها بمجرد أن أصبحت مسؤولا عن آثار مصر عام 2002 وأتت بثمارها فأصبح لدينا باحثون مصريون من شباب الأثريين يتفوقون على الأجانب في العمل الأثري.

لقد تعرض العمل الأثري في مصر لنكبه كبرى هذا العام 2012 حيث ما إن قامت المظاهرات والاحتجاجات للمطالبة بوظائف جديدة حتى تم تعيين نحو سبعة آلاف خريج من دفعات الآثار وحتى الحديثة منها لا لحاجة لهم وإنما لوقف المظاهرات وإرضاء المحتجين، والذين تم توزيعهم على المناطق الأثرية والمتاحف ويتم صرف رواتبهم من الموارد المخصصة للترميم والحفائر؛ أي إنه لا يوجد ترميم للمقابر والمعابد والمناطق الأثرية أو أي أعمال حفائر بالمواقع الأثرية لبعثات مصرية. وللأسف يقود هذه المظاهرات من لا علاقة لهم بالعمل الأثري سوى الحلم بالفوز بمنصب الوزير؛ أما حماية التراث المصري فلا تعنيهم من قريب أو بعيد.

كنت أتمنى أن تقود السيدة أشتون حملة لحماية آثار وادي الملوك ويتم تنظيم ملتقى عالمي بالأقصر للنداء بعودة السياحة ودعمها كمورد أساسي ليس فقط للدخل القومي وإنما للجهة المنوط بها الحفاظ على التراث الأثري المصري، وإعادة المشاريع الأثرية المهمة والتي توقفت مؤخرا وعلى رأسها مشروع حماية مقابر وادي الملوك، ومشروع الوادي البديل والذي يتم به عمل نسخ مطابقة لمقابر الفراعنة حتى تتاح للزائر وبالتالي نحمي المقابر الأصلية ونحفظها للأجيال المقبلة من أخطار الزيارة الجائرة، وكان قد تم بالفعل تحديد موقع هذا المشروع المهم بالبر الغربي للأقصر إلى الشمال من المكان المعروف باستراحة هيوارد كارتر.

ليس من مصلحة تراثنا الحضاري أن تتدخل فيه السياسة، والحفاظ على الآثار يتطلب العمل الجاد المنظم والاهتمام بالأثري والمرمم المصري ورفع كفاءته بالتدريب والاحتكاك بالخبرات المختلفة، وقبل كل شيء ضمان العيش الكريم له ولأسرته ففي يديه وضعنا أغلى كنوز الأرض.