حلوى المارشميلو.. وسر التحكم بالذات

TT

حاول علماء في جامعة ستانفورد الأميركية دراسة مدى مقدرة الإنسان على تأجيل حاجته الملحة في إشباع رغباته، فجمعوا مجموعة من الأطفال وقدموا إلى كل فرد منهم قطعة واحدة من حلوى المارشميلو «الإسفنجية»، ووعدوهم بأنهم إذا ما نجحوا في تأجيل تناول هذه القطعة اللذيذة فسوف تتم مكافأتهم بقطعة إضافية شريطة أن يصبروا لمدة 15 دقيقة فقط، وهي مدة ليست بالقصيرة لأطفال تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة والسادسة.

فجلس علماء النفس يحسبون كم من الوقت يمكن للطفل أن يؤجل رغباته في التهام الحلوى. فلاحظوا أن من الأطفال من لجأ إلى حيل عفوية لكبت جماح رغباته الفطرية كتغطية عينيه بكفيه أو أن يدير ظهره لمائدة الطعام التي ملئت بأشهى أصناف الحلويات، في حين لجأ آخرون إلى الغناء والهمهمة والحركة الزائدة علهم يتصبرون بها، على ما يبدو! أما آخرون فقد حسموا أمرهم بالتهام قطعة الحلوى فور مغادرة الباحثين باب القاعة!

وكان العلماء يرمون من هذه الدراسة أيضا إلى إعداد دراسات مستقبلية لمعرفة ما إذا كان سلوك «تأجيل الإشباع» Deferring gratification له علاقة بالنجاح المستقبلي للإنسان. وبعد عشر سنوات من إعداد هذه الدراسة، التي تمت في عام 1972م، توصل العلماء بالفعل إلى أن الأطفال الصبورين الذين «أجلوا رغباتهم الملحة» طواعية حققوا في عام 1990م أعلى الدرجات في اختبارات القبول الجامعية (SAT) مقارنة بنظرائهم. وحينما طلب من والديهم أن يصفوا سلوك أبنائهم في سن المراهقة قال معظمهم إنهم «يتحلون بدرجة عالية من الخصال الحميدة والكفاءة» مقارنة بغيرهم.

ما يهمنا في هذا كله أن دراسة حلوى المارشميلو التي ما زال يتناقلها آلاف الناس في مقالاتهم وأبحاثهم العلمية، إنما تؤكد لنا أن الإنسان يمكنه تحقيق أهداف كثيرة في حياته لو أنه أحسن التحكم في ذاته ودوافعه حتى يحصل على أكبر منفعة ممكنة. فكم من عائق حال بيننا وبين ما نرغب به ليس لسبب سوى عدم استطاعتنا «تأجيل المتعة» أو استبدالها بشيء آخر، وخير مثال على ذلك، الاستعاضة عن السكريات بمحليات طبيعية، والوجبات الدسمة بالحمية المدروسة، والملهيات عديمة الجدوى بأخرى نافعة، والتسمر أمام شاشات التلفزيون لساعات بالانشغال بأنشطة رياضية وروحية وتثقيفية.

وعليه، فإن أي إنسان في العالم لا يمكنه أن يحقق ما يصبو إليه من همم عالية ما دام غير قادر على التحكم بنفسه، فتحركه أهواؤه ومزاج الناس يمنة ويسرة فيمضي الوقت وهو لم يحقق هدفا واحدا يستحق أن يشار إليه بالبنان.. لأنه ببساطة لا يستطيع التحكم في ذاته!

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]