رئاسة مرسي معلقة على قرار المحكمة الدستورية!

TT

كاريكاتير صحيفة الـ«هيرالد تريبيون»، يوم الاثنين، حمل رسمين للرئيس المصري محمد مرسي. في الأول يقول: كان النظام السابق استبداديا وديكتاتوريا وعلمانيا، وفي الثاني يوضح: نحن لسنا علمانيين.

الأسبوع الماضي كتب أحد المصريين على «تويتر»، أنه نادم لأنه انتخب مرسي. هذا حال كثير من الليبراليين الذين اعتقدوا أنه انتقاما من عهد حسني مبارك لا بأس من التصويت لمرشح «الإخوان المسلمين»، عملا بنظرية: «عدو عدوي صديقي»، التي عادة ما يكون ثمنها باهظا. نرى هذا في مصر الآن، وسنراه في الكويت، ودائما ما التفّت هذه النظرية لتعود وتضرب، حتى تقتلع من اتبعها.

بالنسبة إلى القرارات (الإعلان الدستوري) التي اتخذها الرئيس المصري، والتي وصفت بالديكتاتورية، لم تكن بالطبع وليدة الساعة، وليس مصدرها المكتب الرئاسي، المصريون يفتشون عن «المرشد». توقيت إعلانها انتهازي، جاء بعد زيارة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية القاهرة بسبب معركة غزة، وبدا تكرارا لما حدث بعد استقبال الرئيس العراقي صدام حسين السفيرة الأميركية في بغداد ابريل غلاسبي، فأقدم بعدها مباشرة على غزو الكويت.

وجهة نظر «الإخوان المسلمين» في مصر، أن هناك فراغا دستوريا في الدولة، وأن أعضاء الأحزاب الليبرالية في «اللجنة التأسيسية» لكتابة الدستور يستغلون «نقاطا غير مهمة»، ويقدمون على انسحاب تكتيكي، وهكذا تبقى البلاد من دون دستور، وقد يؤدي عدم الاستقرار إلى سقوط «الإخوان». افتراضا أن كل هذا صحيح، فهل يفقد رئيس أهم دولة عربية أعصابه ويقدم على اتخاذ مثل هذه القرارات؟

الصحافة الغربية أثملت أنور السادات، وساعدت مبارك كي يحكم من دون نائب للرئيس، وهي بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين «حماس» وإسرائيل، أسبغت كل الثناء على مرسي. لكن، في رأي بعض «الإخوان»، فإن هناك مخططا لتوريط مرسي بحيث يصبح جزءا لا يتجزأ من عملية الأمن والسلام الأميركية؛ فقد أظهرته وكأنه صانع السلام، على الرغم من أن أصواتا قيادية في التنظيم تقول إنها لن تعترف بإسرائيل وتطالب بإلغاء «اتفاقية كامب ديفيد»، وهي تثير مخاوف الغرب وإسرائيل معا.

تخوف كثير من المراقبين من أن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار سيقوّي مرسي، لكن الغرب الذي ركز على مرسي منذ الشرارة الأولى، رأى أن الاتفاق سيلزم مصر بجميع اتفاقيات السلام مع إسرائيل، وبالتالي تستمر في تأدية الدور الذي كان قائما زمن مبارك، وهكذا جرى الكشف عن الاتصالات الهاتفية الـ6 بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ومرسي، وإرساله كلينتون، بحيث ظهر مرسي وكأنه وسيط، تماما كمبارك لمدة ثلاثين عاما.

بنى الغرب كثيرا على الاتفاق، الأمر الذي أحرج «الإخوان»، لذلك بعد ساعات قليلة من الإعلان عن الاتفاق، أطل المرشد محمد بديع على شبكة «إي بي سي» الأميركية ليقول إنه ضد وقف إطلاق النار، لا بل يجب أن نحارب إسرائيل، إنما ليس الآن لأننا مفككون. يجب أن نحرر كل فلسطين.

أيضا، كان مرسي قبل وقف إطلاق النار، وقّع بشكل مبدئي مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار، ثم جاء الاتفاق، فاعتقد أن الوقت مناسب ويسمح بالهجوم، فكشف عن القرارات التي أعدها «الإخوان»، وأدت إلى ما عليه مصر الآن.

قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» في مقال نشرته يوم السبت الماضي: «إذا لم يهدد مرسي مصالح الجيش والاستخبارات في مصر، فمن المحتمل أن يسمحوا له بالسيطرة على القضاء والإعلام والبرلمان، وقد تصبح مصر باكستان ثانية».

يعتقد مصدر مصري أن هذا التحليل سطحي، ويرى أن هناك احتمالين فقط يمكن للواء عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة أن يقف فيهما ضد مرسي: «إذا ما قرر إعلان الحرب، أو إذا ما أراد إطلاق النار على المتظاهرين».

ويترقب المصريون قرارات المحكمة الدستورية، التي حاول مرسي بتحصين قراراته اعتبارها وكأنها لا قيمة لها. الثاني من الشهر المقبل هو موعد قرار المحكمة بحل مجلس الشورى، الذي بناء عليه سيحل «اللجنة التأسيسية». هنا نعود إلى موقف «الإخوان» المدافع عن قرارات مرسي، فهو أراد أن يحمي «اللجنة التأسيسية» من الحل، فلجأ إلى الضربة الاستباقية.

من المستبعد أن توافق المحكمة الدستورية على «الإعلان الدستوري». ويقول المصدر المصري: يمكن أن تصدر قرارها بحل مجلس الشورى و«اللجنة التأسيسية» وتتجاهل قرارات مرسي، ويمكن أن يتصاعد الموضوع أكثر فيأتي القرار بأن مرسي خالف القانون ويجب عزله. يتداولون في مصر احتمال أن تعزل المحكمة الدستورية مرسي، على الرغم من صعوبة هذا السيناريو.

قانونيا، لا يستطيع مرسي حل المحكمة الدستورية، لكن كل ما أقدم عليه غير قانوني، يقول إنه يتطلع إلى الدستور، وكل ما فعله يخالف كل الدساتير.

لكن، إذا قررت المحكمة عزله، فالجيش هو الوحيد القادر على تنفيذ حكم المحكمة برئيس «إخواني»، لكن كي يقدم الجيش على اقتحام «قصر الاتحادية» ويواجه «الإخوان»، عليه أن يأخذ الإشارة من واشنطن، حسبما يرى المصدر المصري.

لذلك، إذا راجعنا بيان وزارة الخارجية الأميركية يظهر أن واشنطن لا تريد تأزيم الموقف في مصر، هي لن تقبل بحكم عسكري مرة أخرى، خصوصا بعدما أيدت مرسي، فهذا يعني انتخابات رئاسية جديدة (الليبراليون في مصر يحلمون بهذا السيناريو)، لكن ما يريح المصريين أن القضاة لم ينكسروا على مر العصور في مصر، وجمال عبد الناصر لم يستطع أن يتحداهم.

لكن حسب بيان وزارة الخارجية، يبدو وكأن واشنطن قرأت ما يمكن أن يحصل في المستقبل، بأن تقرر المحكمة الدستورية عزل مرسي فتقع مصر في ورطة، لذلك دعا البيان كل الأطراف إلى الجلوس معا وإيجاد تسوية.

المشكلة مع واشنطن أنه لا مشكلة لديها في أن يحكم «إخواني» مصر «ما دام الشعب قد اختاره» شرط أن لا يتحول إلى ديكتاتور! هذه النظرة السطحية اعتمدتها واشنطن مع آية الله الخميني أثناء ثورته ضد الشاه، وتعيش المنطقة الآن النتيجة.

المشكلة الأخرى أن واشنطن تعتقد أن مرسي رئيس مستقل، في حين أنه ليس أكثر من عضو في جماعة «الإخوان المسلمين»، والمصيبة أن يعتقد الأميركيون أن مرسي، كونه رئيسا يستطيع أن ينقلب على «الإخوان».

ليس هناك مشكلة في أن يتراجع مرسي عن قراراته. فـ«الإخوان» يجربون دائما، لكن الاحتقان الرهيب الذي يسببونه سينعكس سلبا على مصر، الوضع الاقتصادي أسوأ من السيئ، وقريبا سيجوع المصريون.

لكن، قد يسأل «الإخوان» أنفسهم، إذا ما تراجعوا، ماذا ستقرر المحكمة الدستورية في الثاني من الشهر المقبل؟

لذلك قد يقبلون الاتفاق على سيناريو معين في الغرف المغلقة، كالسيناريو الأميركي بالتوصل إلى تسوية تقضي بأن يتراجع مرسي، ولا يطالب الطرف الآخر بحل «اللجنة التأسيسية»، إنما مع تغيير ببعض البنود وإزاحة بعض الأعضاء.

ينظر «الإخوان» إلى الديمقراطية كونها خدعة مفيدة للوصول إلى السلطة، ومن ثم يعتمدونها كقائمة طعام في مطعم. مصر الآن منقسمة. عندما طبقت الخرطوم نظام الشريعة، سرّعت في عملية فصل جنوب السودان، والآن نحو ماذا يهرع «الإخوان» في مصر؟!

من الأفضل لـ«الإخوان» أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون أن يكونوا جزءا من مصر، وليس أن تكون مصر جزءا منهم. وذلك من أجل مصر وحياة المصريين. ثم إن المنطقة لا تتحمل «خليفتين»؛ رجب طيب أردوغان في الشمال، ومحمد مرسي في الجنوب!