مصر قبل مرسي

TT

المصريون لم يسقطوا رئيسهم السابق حسنى مبارك ليستبدلوا به ديكتاتورا جديدا. هذا هو الانطباع الأهم لدى معارضي القرارات الرئاسية الأخيرة للرئيس المصري محمد مرسي. فهناك اعتقاد كبير أن الرجل أراد الاستحواذ على كامل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية في شخصه بشكل غير مسبوق وهو بذلك يحصر كل «القوة» في نفسه مما جعل الناس يطلقون على ذلك المشروع الفرعون الجديد. وهذه المسألة جعلت قطاعات كبيرة من الشعب المصري تلجأ للشارع معتصمة ومتظاهرة ومحتجة لتبدي احتجاجها وغضبها وقلقها وخوفها ورعبها على مستقبل البلاد.

الذين صنعوا ثورة 25 يناير أساسا طلوا مجددا ورفعوا صوتهم ليقولوا «شيء ما يحدث يثير رعبنا على مستقبل البلاد والثورة قد خطفت تماما». واللافت أن من يقود هذا الحراك المهم جدا هو القطاع القضائي المهم، الذي أبدى اعتراضه تماما على القرارات الرئاسية الأخيرة ووصفها بأنها من أشد وأخطر وأكبر ما يهدد القضاء المصري بوصفه جهة مستقلة وذات وزن وأهمية وثقل ومصداقية.

مصر لها تاريخ ودولة ذات مؤسسات وفيها سلطات واضحة الملامح (مع عدم إغفال أن الأنظمة المتلاحقة أصابتها بترهل وأذى غير مسبوقين)، ولكن تظل هذه المؤسسات أسسا مهمة وقواعد لافتة يمكن البناء القوي عليها وإصلاح ما تم إفساده وما تم تدميره بدلا من القضاء التام عليه وإعادة بنائه (إذا كان ذلك مستهدفا وممكنا) من جديد.

نحن أمام مشهد مضطرب وملتهب؛ الرئيس يزداد إصرارا وعنادا على التمسك بقراره ورفضه لأي نوع من الحلول الوسط كطرح بديل ولكنه يبقى محتفظا بما هو مطروح من قبله فقط، وأنه كان قد أكد أن هذه القرارات هي «مؤقتة» فقط، ولكن الثقة اهتزت والشرخ زاد بين الناس وبين الرئيس الذي كان الناس يرغبون منه عمل كل ما يمكن عمله يثبت به للجميع أنه رئيس لكل المصريين وليس لفئة واحدة منهم أو لطيف واحد أو لفريق واحد فقط. وكم كان مخطئا عندما قام وألقى خطابه الأخير أمام مؤيديه في ساحة قصره الرئاسي، وكأنه في حملة انتخابية والشارع السياسي في مصر هش جدا ولا يحتمل زيادة في تأجيج المشاعر ولا الاتهام من أنصار الرئيس بأنهم «دعاة للفوضى» أو «فلول».

تصرفات مرسي غير المدروسة كما يبدو منحت ضربة هائلة للفكر السياسي لجماعة الإخوان المسلمين من الناحية العملية، فهي كانت بمثابة إنذار هائل بالفشل لأنصاره بالكويت وفي الأردن تحديدا وحجم السخرية والقلق الذي صاحب كل ذلك الصخب لا يمكن تعويضه مجددا وبالتالي أصبح كل ما يصبو إليه أنصار الإخوان المسلمين هو محاولات «للعلاج» و«الإصلاح» الإعلامي ليس أكثر، وعلى ذلك الأمر تحولت المسألة إلى حماية مواقف وحفظ «مياه وجوه» بدلا من إنقاذ بلد وبناء جسور وإصلاح آراء وتعديل أخطاء.

وصلت للرئيس مرسي مؤشرات واضحة جدا من الجهات القضائية الأساسية تعترض على محاولته الأولى لإقالة النائب العام من منصبه والذي لقي رفضا كبيرا ولم يدرك الرئيس خطورة وأهمية ذلك، فأعاد الكرة ولكن بأسلوب أكثر قوة وأقسى وبالتالي كان ما كان وأصبحت كرة اللهب هائلة تدور بلا نهاية ولا بد من التخلي عن صلابة الرأي والتمسك بالصالح العام. والصالح العام يقتضي أن تكون مصر قبل مرسي وهنا مكمن الحكمة.

[email protected]