مصر: هل يتحول مرسي إلى خميني جديد؟

TT

إذا حكمنا على الأمور من خلال وابل التعليقات على الإعلان الدستوري المثير للجدل الذي أصدره الرئيس المصري محمد مرسي، فسوف نقول إن مصر قد أصبحت بالفعل خاضعة لديكتاتورية جديدة، حيث قال أحد المعلقين إن مرسي قد قتل الربيع العربي، في حين قال آخر إن مصر مقبلة على «شتاء إسلامي»، وأسرف معلق ثالث في هذا الغلو وأشار إلى أن مرسي يريد أن يكون «خميني آخر».

إن الاحتجاجات شبه اليومية التي يشهدها ميدان التحرير لا تدع مجالا للشك في أن قرار مرسي قد لمس وترا حساسا للغاية. ومع ذلك، من الأهمية بمكان أن يكون رد الفعل مناسبا للخطوة التي أقدم عليها مرسي. وحتى يمكننا القيام بذلك يتعين علينا أن نحاول فهم الخطوة التي قام بها الرئيس المصري، من دون أن نحاول تبريرها بالضرورة.

وإذا ما أمعنا النظر في ما يحدث، فسوف نكتشف أن الإعلان الدستوري الذي اتخذه مرسي ليس مثيرا للخوف بالشكل الذي نعتقده. ولأن مصر تمر الآن بمرحلة انتقالية، فإن كيفية اتخاذ القرارات التنفيذية والتحقق من صحتها قد باتت شيئا غير واضح تماما. وفي الحقيقة، يعد هذا الإعلان الدستوري بمثابة محاولة للتعامل مع هذه المعضلة، على الرغم من أنه قد اتخذ بطريقة خرقاء تفتح الباب على مصراعيه لسوء الفهم.

وقد تم انتخاب مرسي في ظل نظام رئاسي، وليس برلمانيا، يكون فيه رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية في الحكومة. وفي مثل هذه الأنظمة يحق لرئيس الجمهورية أن يقوم باتخاذ وإنفاذ مجموعة من القرارات من دون الحصول على موافقة مسبقة من السلطة التشريعية.

وفي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يتمتع الرئيس بسلطة تعيين العديد من المسؤولين - دون مستوى مجلس الوزراء - من دون الحصول على موافقة من الكونغرس، كما يحق له اتخاذ العديد من التدابير من خلال ما يسمى بـ«المرسوم الرئاسي».

وعندما يكون الكونغرس في حالة عدم انعقاد، يمكن للرئيس أن يصدر مرسوما بتعيينات جديدة حتى على مستوى مجلس الوزراء، وخير مثال على ذلك قيام الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بتعيين جون بولتون سفيرا للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة. وقد اتخذ بوش هذا الإجراء لأن مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الديمقراطيون كان قد هدد بمنع التعيين عن طريق التعطيل، أي اللجوء إلى الأساليب التعويقية لتأخير عملية التعيين.

وحتى في ما يتعلق بالأمور الأكثر حساسية مثل الدخول في حرب خارجية، يحتفظ الرئيس بصلاحيات هائلة لمدة تصل إلى 90 يوما. وفي بعض الحالات، مثل التدخل الأميركي الأخير في ليبيا على سبيل المثال، يمكن إصدار قرار رئاسي بطريقة ملتوية للتحايل على قانون سلطات الحرب.

وفي فرنسا، التي تتبع نظاما رئاسيا، يتمتع الرئيس بصلاحيات أكبر. وعلى عكس الوضع في الولايات المتحدة، يكون الرئيس الفرنسي غير ملزم بإخضاع أعضاء مجلس وزرائه للفحص والتصديق من قبل البرلمان، كما لا يكون ملزما بإلقاء خطاب حالة الدولة السنوي أمام البرلمان.

وغني عن القول أن النظم الأميركية والفرنسية تتيح الطعن القانوني على كل القرارات الرئاسية تقريبا من قبل المحكمة العليا في الولايات المتحدة والمجلس الدستوري في فرنسا، كما يحق لأي مواطن في كلا البلدين أن يطعن على القرارات الرئاسية. ومع ذلك، لم يتوقع أحد أن تستبق المحكمة القرار الرئاسي. إن ما يحاول مرسي القيام به هو إيجاد آلية تشبه «المرسوم الرئاسي» في الولايات المتحدة أو «المراسيم الرئاسية» في فرنسا.

وبغض النظر عن القرار المتخذ أو الذي سيتخذ، يحق لمرسي إيجاد آلية في ظل عدم وجود السلطة التشريعية، حتى يتمكن من حماية عملية اتخاذ القرار ضد التعطيل الناجم عن المحاولات الاستباقية التي تتخذها المحكمة الدستورية العليا. وما يزيد الأمر تعقيدا هو أن المكانة الخاصة لهذه المحكمة لم تعد مؤكدة، لأنه لم تتم صياغة الدستور الجديد بعد.

ومما لا شك فيه أنه يتعين على مصر أن تسير في اتجاه سيادة القانون، لكن سيادة القانون لا تعني قانون المحامين، ويمكننا أن نسرد العديد من الأمثلة على الكيفية التي تم بها التلاعب بالقانون من قبل المحامين في العديد من مناحي الحياة، لدرجة أن المحامين، وليس الناخبين، هم من حددوا نتيجة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، لمرة واحدة على الأقل. أما خارج السياسة، فقد رأينا كيف تتم تبرئة متهم بالقتل في إحدى المحاكم الجنائية ثم تتم إدانته أمام محكمة مدنية أخرى عن الجريمة نفسها، وهناك مثال آخر على محاولة المحامين أن يصدروا أحكاما من دون أن يخضعوا للمساءلة أمام الناخبين في باكستان في وقت سابق من العام الحالي، عندما تمكن ائتلاف من القضاة والمحامين من الإطاحة برئيس الوزراء من منصبه في عمل من أعمال الثأر السياسي.

إن الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي يمنحه حيزا أكبر للتعامل مع قضايا الأمن القومي والسيادة. ومع ذلك، وعلى عكس ما قد يعتقد مرسي شخصيا، لن يكون أي من قراراته بمأمن من الطعون القانونية، لأنه لا يوجد أي شيء في القوانين المدنية والجنائية المصرية يمنع أي شخص أو مجموعة من الأشخاص من رفع دعوى قضائية أمام القضاء. وبالتالي، لن يحصل مرسي على شيء أكثر مما هو مسموح به بموجب المبدأ الراسخ للحصانة السيادية المعترف بها من قبل القوانين المصرية والدولية.

وكما هو الحال دائما، فقد أظهر المصريون ابتكارهم من خلال إنتاج عرض سياسي يقوم فيه المحامون بممارسة سياسة الشارع تحت اسم الدفاع عن الديمقراطية المؤسسية.

أما في ما يتعلق بالسؤال المطروح بشأن ما إذا كان مرسي سيتحول إلى خميني جديد أم لا ويقوم بهدم الحياة المصرية، فأنا أشك في ذلك، لأن الخميني قد استولى على السلطة من خلال الإرهاب والعنف ولم يدخل هو أو رفاقه في انتخابات حرة ونزيهة، على العكس من مرسي الذي صعد لسدة الحكم عن طريق انتخابات حرة تم تنظيمها عن طريق خصومه السياسيين. والأكثر أهمية من ذلك هو أن مرسي، مثله في ذلك مثل غالبية المصريين، يدرك حجم الكارثة التي جلبها الخميني إلى إيران، ولا يوجد أي شخص عاقل يريد شيئا من هذا القبيل في مصر أو في أي مكان آخر. إن أولئك الذين يرغبون في منع خضوع مصر لديكتاتورية جديدة لهم الحق، بل ومن واجبهم، أن يكونوا متيقظين تماما.

ومع ذلك، فإن التركيز على شكل من أشكال صنع السياسات سيكون، في أحسن الأحوال، غير مجدٍ، وضارا للآمال المصرية التي تهدف إلى إرساء قواعد الديمقراطية. وما هو مطلوب الآن هو التركيز على مضمون سياسات مرسي التي يتسم معظمها بالرجعية الشديدة والتضليل، لكن معارضة مرسي يجب ألا تعني محاولة إفساد فترة رئاسته.