خطوة مرسي تمثل إنذارا لتركيا

TT

ليس من الواضح تماما لماذا قرر الرئيس محمد مرسي، أول رئيس منتخب بصورة ديمقراطية في مصر، تشويه صورته الدولية من خلال الكشف عن ميوله الديكتاتورية التي دفعت أبناء بلده إلى الخروج لميدان التحرير للتظاهر مرة أخرى. ولكن الأمر المثير للدهشة حقا هو أنه أعطى لنفسه سلطات مطلقة وحصن قراراته ضد أي طعن، في الوقت نفسه الذي شهد ارتفاع أسهمه الدولية بسبب وساطته الناجحة للتوصل إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس.

وأيا كان السبب، تؤكد خطوة مرسي أن الربيع العربي لا يزال أمامه طريق طويل قبل أن يفرز ديمقراطية حقيقية في المنطقة. من المتوقع خروج أنصار جماعة الإخوان المسلمين إلى شوارع القاهرة رافعين راية «العدالة والاستقرار» لدعم مرسي في مواجهة خصومه السياسيين. وعلى الرغم من ذلك، فإن الاعتماد على الحشود الكبيرة - كما هي الحال مع «حزب العدالة والتنمية» في تركيا - هو أكبر دليل على أن الإسلاميين لم يستوعبوا تماما معنى الديمقراطية الحقيقية.

أبدا لم تكن الديمقراطية الحقيقية مجرد حشد أعداد كبيرة من الناس، فأولا وقبل كل شيء، لا تمتلك الحكومات المنتخبة ديمقراطيا الحق في العبث بالنظام الديمقراطي نفسه وإهدار حقوق الأشخاص الذين لم يصوتوا لها. ثانيا، يحمي هذا الشكل من الحكومات حقوق المعارضة والأقليات ضد «اضطهاد الأغلبية». ثالثا، الديمقراطية الحقيقية هي النظام، والتي تعرف فيها الأحزاب السياسية جديا ما الذي يتوجب عليها القيام به عندما تخسر الدعم الديمقراطي.

من الواضح للغاية أن روح هذه الحقائق الرئيسية لا تشكل جزءا من نظرة مرسي، وهو ما ظهر جليا في محاولته الاستيلاء على كل السلطات لنفسه لتعزيز قبضته في مواجهة خصومة السياسيين تحت ستار البحث عن «العدالة والاستقرار». يزعم محمد مرسي أنه سوف يتخلى عن هذه السلطات عندما يتحقق الاستقرار في البلاد، ولكن كثيرون لا يستطيعون تصديق مثل هذه المزاعم، نظرا لأنه استولى على صلاحيات أكثر بكثير مما تمتع به حسني مبارك في أي وقت مضى.

لا توجد هناك كثير من الأمثلة في التاريخ على زعماء تخلوا عن السلطات الاستثنائية التي حصلوا عليها باسم الديمقراطية، ولكن عصمت إينونو، وهو ثاني رؤساء الجمهورية التركية الذي تولى رئاسة الوزراء في وقت لاحق والذي يقوم أردوغان والإسلاميون في تركيا بتشويه سمعته في الوقت الحالي، يعد حالة فريدة من نوعها.

تأتي كل هذه الأمور في الوقت الذي يتطلع فيه أردوغان لتولي الرئاسة في تركيا، حيث يريد تحويلها إلى مكتب تنفيذي بحلول عام 2014 عندما سيتم إجراء الانتخابات الرئاسية. يؤكد حزب «العدالة والتنمية» أن نظاما رئاسيا قويا من شأنه جلب الاستقرار لعملية تنفيذ السياسات من خلال التغلب على المساومات السياسية المرهقة، ولكنه لم يقل ما الضوابط والتوازنات التي ستحد من صلاحيات أردوغان بوصفه رئيسا.

هذا ما يدفعنا للقول بأن خطوة مرسي تمثل إنذارا للأتراك، الذين تتزايد مخاوفهم بشأن ما يقبع في أعماق أردوغان، الذي يظهر بالفعل ميولا استبدادية من الآن، نظرا لأنه يعتمد بشكل كبير على قوة الحشود. تمثل محاولات أردوغان لمنع عرض حلقات تلفزيونية شهيرة، التي تصور محكمة «السلطان سليمان القانوني» بحجة أنها تمثل إهانة لتاريخنا، أحدث الأدلة في هذا الصدد.

يقول المؤرخون إن المسلسل مجرد هراء، حتى ولو كان يحظى بمعدلات مشاهدة مرتفعة. كانت هذه هي الحال أيضا مع مسلسل «وتيودرز» في بريطانيا، ولكن لا يخطر على بال أحد أن يحاول أي رئيس وزراء في بريطانيا منع أي حلقات تلفزيونية من العرض لمثل هذه الأسباب.

كانت هناك بعض المؤشرات يوم الاثنين على أن مرسي قد يتراجع بعض الشيء، ولكنه إذا قام بمثل هذه الخطوة، فسوف يتساءل المرء عن السبب الحقيقي وراء إقدامه عليها؛ أكان ذلك بسبب المصريين الذين نزلوا إلى الشوارع تحت اسم الديمقراطية، أم نظرا للانخفاض الكبير الذي شهدته البورصة المصرية (نحو 10 في المائة) بمجرد إعلانه عن أنه سيتولى صلاحيات استثنائية؟

ربما يعتمد مرسي وأردوغان على قوة الأعداد الهائلة للاستمرار في تطبيق أجنداتهما، ولكن هناك بعض الأعداد التي لا يمكنهما تجاهلها إلا إذا كانا مستعدين لجر بلديهما نحو الفوضى الاقتصادية والاجتماعية تحت اسم تعزيز أجندة إسلامية؛ سواء أكانت خفية أم واضحة.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية