أنان يتذكر

TT

«قدامى» الأمم المتحدة شعروا أنها فقدت الكثير من وهجها مع انتقال كوفي أنان من قيادتها العسكرية إلى قيادتها الدبلوماسية في الأمانة العامة. وبعد إبعاد بطرس غالي بالطريقة الصلفة التي أبعد بها، أصبح مؤكدا أن الأمين العام الجديد، أيا كان، لن تجاوز صلاحياته الإصغاء إلى تعليمات الوزيرة مادلين أولبرايت. الآن يقول أنان في مذكراته الصادرة هذا الأسبوع، إن أولبرايت أيقظته ذات ليلة في الرابعة والنصف لكي تملي عليه مذكرة. باختصار اعتبرت الأمانة العامة ملحقا بالخارجية الأميركية.

كان أنان يدرك واقع المنظمة الجديد. السوفيات، الذين طالما حاولوا مقاومة التأثير الأميركي، لم يعد لهم وجود. والصين غير مهتمة بعد. والمسز أولبرايت تمارس طباعها في التلقين. أمضى الدبلوماسي الغاني دورتين. ويقول الكاتب الكندي مايكل أغناتيف إن «عددا قليلا جدا من الناس أمضوا كل هذا الوقت في التفاوض مع الجلاوزة وأمراء الحرب والديكتاتوريين. لقد جعل من نفسه مبعوثا إلى الجانب المظلم».

في كتابه «تدخلات: حياة في الحرب والسلم»، يقر الوسيط أو المبعوث الدائم، بساعات الفشل والإخفاق. مذبحة رواندا كانت إحداها، يوم كان لا يزال مسؤول القبعات الزرقاء. لكن بطرس غالي كان يعتبر نفسه مسؤولا أيضا، أو أن الأميركيين والفرنسيين رفضوا تحذيرات الاثنين حول خطورة الوضع الذي انتهى إلى مقتل 800 ألف إنسان بالسواطير.

لم يتعد أنان صفة المفاوض وحامل الرسائل. لم يتحدَ الطغاة مثل نيلسون مانديلا أو فاتسلاف هافيل لكنه تسلح أحيانا بالإجماع الدولي كي يقنع - ولو إلى حين - رجالا مثل صدام حسين. وعرف، من خبرته النيويوركية، أهمية الإعلام، كما عرف كيف يجمع عددا كبيرا من الأصدقاء الإعلاميين. ويوم وصل إلى بغداد، على ما نذكر، كانت طائرته مليئة بالمراسلات.

كانت آخر إخفاقاته في سوريا عندما ختم مهمته بالقول إنه «لا يمكن لوسيط أن ينجح، إذا كان يرغب في السلام أكثر من أطراف النزاع».

عندما قبل تلك المهمة رفض أن يتقاضى أكثر من دولار واحد عنها، خوفا من أن يقال إنه طلبها من أجل المال. كما كان يريد أن ينزع من الأذهان تلك الشوائب التي علقت بسمعته بسبب دور ابنه في فضيحة «النفط والغذاء» العراقية التي قيل إن حجمها يزيد على 8 مليارات دولار.

والآن يشعر الكثيرون أن قبوله مهمة سوريا أعطى الذريعة لأميركا بألا تفعل شيئا، وكذلك لروسيا والصين. كان فشله خاتمة سيئة لحياة دبلوماسية عارمة على سطح العالم. وقد نفعه هدوؤه ومقدرته على ضبط النفس في أهوال الدنيا وأحوالها، وأضر به ذلك الهدوء مرات كثيرة. تقرأ مذكراته على أنها تدوين موضوعي لحقبة صارخة.