الفرعون

TT

الكثيـرون ممن يطالعوننا على شاشات الفضائيات، من كتاب وإعلاميين ومعلقين وغيرهم، أصبحوا يتداولون كلمة (الفرعون) في أحاديثهم لوصف استبداد وطغيان الحاكم... وفي الحقيقة أن هذا الاستدلال ليس في محله، ولا يمت للحقيقة بصلة... وعندما وصف القرآن الكريم فرعون موسى بالطغيان والاستبداد، فقد وصف شخصا واحدا فقط ولم يصف الفراعنة كلهم. ولا بد أن نعرف أن في كل زمان ومكان هناك الصالح والطالح، ولذلك لا يمكن قبول أن طغيان فرعون واحد يوصم الفراعنة كلهم! وتصبح كلمة (فرعون) مرادفا لمعاني الاستبداد والطغيان.

والحقيقة أن الفرعون يعتبر أشهر لقب لحاكم في العصور القديمة، وله وضع جميل، ومعناه عند الفراعنة الشجاعة والحكمة والقوة والتدين. وكما قلت، فإن لقب (فرعون) لا يمت بصلة إلى الحاكم الظالم، بل على العكس، فلقد حكم الفراعنة بالحق والعدل وأرسوا النظام من خلال اتباع قواعد الماعت، التي هي مجمل المثل العليا في حياة البشر، وأي فرعون لا يحقق العدل ويقيم الماعت كان يخسر أبدية أن يظل اسمه يذكر على الأرض بين الأحياء، وكذلك لا ينعم بأبدية العالم الآخر. وكان أهم شيء هو صلة الفرعون بالناس ومدى حبهم واحترامهم له. ولدينا مثال للملك تحتمس الثالث، أعظم فراعنة مصر، الذي لقب بنابليون العصر الحديث، وهو يعطي تعاليمه لوزيره رخميرع لكي يحكم بالعدل ويقيم النظام، ويرسم له الفرعون الطريق الصحيح للحكم الناجح، ويأمره بأن يبتعد عن ظلم الناس وأن ينصر المظلوم ويعاقب الظالم. وتفاخر الوزير بذلك وكتب القصة على جدران مقبرة بالبر الغربي للأقصر.

وهناك الكثير من القصص التي تظهر عدل الفرعون، بل وبساطته، ففي بردية خوفو والسحرة عندما طلب الملك سنفرو من إحدى وصيفاته أن تستمر في تجديف القارب؛ رفضت، ولم تستجب إلا بعد أن أعاد لها الملك قلادتها التي سقطت منها في البحر... والملك نفر إيركارع، نراه يتصرف بإنسانية رائعة عندما سقط وزيره مغشيا عليه بجواره بينما كانا يتفقدان مشروع بناء الهرم، وقام الملك بنقله إلى قصره وأحضر له الأطباء، وحزن عليه عندما علم من الأطباء أن الوزير قد مات، وأمر الملك بنقش القصة كاملة لتخليد ذكرى وزيره. وقصة الفلاح الفصيح وكيف نصره الفرعون وحصل على حقه من الظالم... أما كلمة (فرعون)، فقد عرفت فقط منذ عهد الملك تحتمس الثالث؛ أي أن ما قبل الدولة الحديثة كان من يحكم مصر يعرف بلقب (الملك) فقط.

وقد جاء لقب (فرعون) من الكلمة الهيروغليفية (برعا)، بمعنى: القصر العظيم، وحرفت في العبرية إلى (فرعو)، ولحب العرب لتنوين الكلام أضيفت النون فأصبحت (فرعون)، أي: الملك الذي يعيش داخل القصر، مثل ما يحدث حاليا عندما نشير إلى البيت الأبيض أو قصر باكنغهام أو الإليزيه.... هل يمكن أن نتوقف عن استعمال كلمة (فرعون)؟ ونعرف أن الفراعنة لا علاقة لهم بالظلم والاستبداد، فكلاهما لا يبني حضارة.