سقوط الحلم الصهيوني

TT

أسلوب التصرف «الصبياني» الذي طبع رد فعل «حكماء» حكومة إسرائيل على رفع مرتبة التمثيل الفلسطيني في الأمم المتحدة إلى الدولة المراقب غير العضو دليل آخر على مواصلة إسرائيل الضرب عرض الحائط بقرارات المنظمة الدولية التي إليها ترجع علة وجودها على الأرض.

منذ أن عرفت إسرائيل «مقامها» في واشنطن وهي «تتدلل» على الفلسطينيين أولا والعرب ثانيا، والعالم أجمع فيما بعد، كما بدا من تعاملها «الصبياني» مع قرار الجمعية العامة بشأن عضوية فلسطين، فلا غرابة أن يتحول «شعب الله المختار» إلى «شعب الله المدلل» برعاية حثيثة من الولايات المتحدة وضغوط دؤوبة من منظمة «إيباك» الصهيونية في واشنطن.

138 دولة، بينها دول غربية كبرى عُرفت بتعاطفها التقليدي مع إسرائيل، ضاقت ذرعا «بالدلال» الليكودي على السلام في الشرق الأوسط وعلى قرارات المنظمة الدولية، فارتأت أن تقول لبنيامين نتنياهو ما قاله امرؤ القيس لعروس شعره، فاطمة: «مهلا بعض هذا التدلل».

138 دولة دفعتها إسرائيل دفعا إلى إضفاء شرعية دولية، ولو محدودة، على ما تبقى من الكيان الجغرافي الفلسطيني على أرضه انطلاقا من قناعتها بأن هذه الشرعية تشكل خطوة إيجابية على طريق إحياء مفاوضات السلام الإسرائيلية – الفلسطينية المتمحورة، منذ عهد جورج بوش الابن، حول حل الدولتين المتعايشتين بسلام على أرض فلسطين.

وهنا الطامة الكبرى التي ربما لم تتحسب لها الدول الـ138؛ فرغم ما قيل عن تخوف حكام إسرائيل من أن تعمد فلسطين، في وضعها الدولي الجديد، إلى مقاضاة الكثير من حكامها وجنرالاتها أمام محكمة العدل الدولية عن جرائم حرب ارتكبوها بحق المدنيين الفلسطينيين، ورغم ما قيل عن أن حكام إسرائيل يفضلون التوصل إلى السلام عبر تفاوض ثنائي مباشر مع الفلسطينيين، ورغم ما قيل عن أن مصدر الانزعاج الرئيسي لحكومة بنيامين نتنياهو من مواقف الدول المؤيدة لقرار المنظمة الدولية - بما فيها الممتنعة عن تأييده - هو إدانتها لمخطط الاستيطان الاستعماري المنهجي في القدس الشرقية والضفة الغربية، يبقى بيت القصيد في قرار الأمم المتحدة أنه يشكل رفضا دوليا واضحا للآيديولوجيا الصهيونية لحكومة إسرائيل.

مجرد قبول المنظمة الدولية بوجود دولة أخرى غير يهودية على أرض فلسطين التاريخية يشكل رفضا دوليا ضمنيا لمخطط حكومة اليمين الإسرائيلي الشوفيني فرض سيطرة كاملة على «أرض الميعاد»... أي أرض فلسطين من البحر إلى النهر.

على ضوء هذه الخلفية يمكن تفسير إصرار حكومة نتنياهو على اعتراف السلطة الفلسطينية بـ«يهودية» إسرائيل كشرط ضروري لاستئناف مفاوضات السلام... وربما «كتعويض» فلسطيني عن بعض ما حرمه منه قرار الأمم المتحدة.

قد لا يكون من المبالغة في شيء القول بأن محاولات إسرائيل – الظاهرة والمبطنة معا – لـ«صهينة» قرار تقسيم فلسطين المتخذ عام 1948 واعتباره منطلقا لاحتلال أرض فلسطين بأكملها، سقط بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المتخذ في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012.

ولأنه يصعب الاستهانة بموقف الـ138 دولة التي أيدت تثبيت الفلسطينيين في أرضهم وداخل دولتهم المغتصبة، أو الاستخفاف به عبر اتهامها بـ«اللاسامية» (التهمة الحاضرة الناضرة للتلويح في وجه أي معارض أو منتقد لسياسات حكام إسرائيل)، كان الرد الأسهل على المنظمة الدولية... معاقبة الفلسطينيين على شقهم عصا الطاعة لإسرائيل.

مع ذلك، ورغم ما حمله قرار الجمعية العامة من بوادر تحول ملموس في موقف الرأي العام الدولي من قيام الدولة الفلسطينية الموعودة، ما زال من المبكر الاطمئنان إلى مستقبل تحقق هذه الدولة في ظل الدعم الأميركي المطلق لمنطق الحكومة الإسرائيلية.

إلا أن «استقلال» دول الاتحاد الأوروبي عن التوجهات الأميركية - سواء كان في اقتراعها لصالح القرار (باستثناء تشيكيا) أو في امتناعها عن الرفض الإسرائيلي الأميركي له - يسمح بتغذية أمل ولو ضعيف باحتمال استقلال الدبلوماسية الأميركية عن رغبات الـ«إيباك»... يوما ما.