سنة جديدة على الأبواب!

TT

مع اقتراب السنة على نهايتها كالعادة تخرج توقعات ونبوءات الفلكيين ومنظري الأبراج كمقدمة لآرائهم عما سيحدث السنة القادمة، وهي لها سوقها وبرامجها ومواقعها وتلقى القبول والتواصل والمتابعة ممن لديهم هوس البحث عن إجابات الغد، ولكن كذب المنجمون ولو صدقوا. هناك مسألة أخرى تستحق المتابعة وهي قراءات علمية ودقيقة لأوضاع سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية لمناطق ودول حول العالم تعدها مراكز بحثية أو إصدارات إعلامية محترمة تحاول استحداث عناصر قياس وأساليب تحليل لأهم المتغيرات والتطورات التي ستأتي على الساحات المختلفة. ومن الواضح جدا أن منطقة الشرق الأوسط تنال اهتمام العالم، لأن الشارع فيها ولمدة عامين حتى الآن لا يزال حركا وقلقا ومضطربا ومتغيرا ينشد التغيير والتطوير والإصلاح والاستقرار. هناك قناعة كبيرة ومتزايدة أن التغيير هو الذي سيحدث الاستقرار، لأن البناء على أوضاع بعينها دون التطرق لمكامن العيب والخلل والخطر فيها هو نوع من الإنكار والإقلال من المشكلة الكبيرة الموجودة وتجاهل أبعادها، مما سيؤدي إلى انفجار مهول لا يمكن قياس مدى ضرره وتبعاته.

العالم العربي سيظل يعاني السنة القادمة (وهذه تبدو مسألة بديهية) ولكن لا بد من ذكرها، سيظل يعاني من الفساد الذي استشرى بشكل متوحش في مختلف أوجه الحياة. وزادت تكلفة مواجهته وفاتورته، وسيظل يعاني من مشكلة بطالة أساسية لا يساعد على حلها نظام تعليمي متخلف يفرز مستويات غير مقبولة من التحصيل العلمي المتدني جدا، ويلقي بالعبء والمسؤولية على سوق العمل بشكل ساذج. وسيظل العالم العربي يعاني من غياب حياة دستورية وبرلمانية فاعلة تضمن له تحقيق نظام حكم وعلاقة سوية بين الدولة والمواطن بشكل يدرك كل طرف فيه حقوقه وواجباته ويكون الضمان لذلك دستور واضح ونظام قضائي فعال تسانده منظومة إعلامية حرة ومسؤولة.

سيظل العالم العربي يعاني تدهور خدمات البنية التحتية الرئيسية في الصحة والتعليم والمواصلات والطاقة والماء؛ وسبب ذلك هو أن التجديد والتطوير لم يأخذ حظه وفرصته المناسبة عبر السنوات فتولدت مجموعة لا تنتهي من مشاكل الصيانة ومشاكل التشغيل لتكون مآسي الحوادث والإخفاقات والتعطيل هي عناوين الإثارة المستمرة. الضغوط المستمرة على خطط التنمية بسبب النمو السكاني المهول الذي هو أشبه بالانفجار السكاني في العالم العربي سيستمر في وضع ضغوط كبيرة على طموحات الإسكان والتعليم والتوظيف والصحة حيث إن الطاقة الاستيعابية لهذه القطاعات بعيدة تماما عما هو مطلوب وما هو منشود. الفجوة اتسعت بشكل بات فيه التحدي أشبه بالمهمة المستحيلة خصوصا في ظل تأخير وتخبط في تنفيذ الخطط القديمة الموضوعة. ولا تزال التحديات واحدة وإنما بات عنصر الوقت خطيرا وعنصر المال غاليا. فكل تأخير في تنفيذ المطلوب يجعل الفاتورة ذات قيمة أعظم ثمنا.

ما يجري في العالم العربي اليوم هو مرحلة مرت بها دول ومناطق كثيرة من العالم من قبل، أوروبا وأفريقيا وآسيا حصل لها الشيء ذاته، وكان المطلوب دوما شيئا واحدا، وهو سلسلة من القرارات الصعبة والفورية التي ليست بالضرورة أن تنال رضا الجميع، ولكن من الضروري أن يتم اتخاذ القرار وعاجلا، لأن الاحتياج يقتضي ذلك، ولكن السعي الدائم لأخذ قرار «يرضي الجميع» أخر العوائد وأطال مدة الانتظار وجعل الخطر أعظم.

لكي تكون السنة القادمة أفضل وذات عائد أنفع، ينتظر العالم العربي «بوادر» فورية لتحقيق المطلوب وهي جميعا باتت مسائل قديمة ومكررة ولكن يبقى التنفيذ. كل عام والجميع بخير.