نفرتيتي في الغربة

TT

في مقالات سابقة تناولت كل ظروف وملابسات تهريب رأس الملكة الجميلة نفرتيتي من مصر بعد كشفها بتل العمارنة يوم السادس من ديسمبر (كانون الأول) من عام 1912، أي منذ مائة عام بالكامل. لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو ما حدث للملكة المصرية في بلاد الغربة بعد أن أخفاها عالم الآثار الألماني لودفيغ بورخارد لمدة عشر سنوات حتى ينسى المصريون خدعته الكبرى....

بعد أن ظهرت نفرتيتي لأول مرة في 1923 وبعدها تم عرضها بمتحف التاريخ القديم ببرلين، وفي عام 1944 وعندما تعرضت برلين إلى هجوم شديد أصاب حديقة الحيوان وغيرها من المباني تم إخفاء الرأس في مكان أمين. وفي أوائل أبريل (نيسان) 1945 أصبحت نفرتيتي تحت وصاية الجيش الأميركي الذي كانت مهمته حماية الكنوز الأثرية بمناطق الحروب بأوروبا، على حسب زعمهم! وأصبح الكابتن والتر فارمر هو المسؤول عن حماية رأس نفرتيتي. وفي 6 نوفمبر (تشرين الثاني) 1945 تلقى فارمر أمرا من مكتب الحكومة العسكرية باختيار 200 قطعة فنية من ممتلكات ألمانيا الثقافية لشحنها إلى الولايات المتحدة ليتم الحفاظ عليها وتخزينها بالمتحف الوطني للفنون بالعاصمة واشنطن، وقد كان هناك مبررات لاتخاذ هذا القرار، وهو الإبقاء على القطع الفنية لتبادل ضمن تعويضات فرضت على ألمانيا عن فترة الحرب، والإبقاء على اللوحات الفنية تحت الوصاية من أجل الشعب الألماني، وكذلك الخوف من استيلاء الاتحاد السوفياتي على القطع الفنية الفريدة، وأخيرا أن يعطوا فرصة للشعب الأميركي لمشاهدة هذه الآثار الفريدة وخاصة نفرتيتي. وقد استهجن الجنرال فارمر هذا الطلب حتى جاء 7 نوفمبر 1945 وصدر ما عرف باسم «بيان فيزبادن» Wiesbaden Manifesto، وأقرت بأن تلك وثيقة نقل قطع فنية مملوكة لألمانيا إلى أميركا، هو خرق واضح للقانون الدولي، وأنها سابقة لا يمكن الدفاع عنها من الناحية الأخلاقية، وقد وقع على هذا البيان 24 ضابطا دفاعا عن الجنرال فارمر الذي رفض تنفيذ الأوامر الصادرة له. وتم عرض نفرتيتي بعد ذلك في مدينة فيربادن في 10 نوفمبر من العام نفسه على يد فارمر، وبعد ذلك بيومين طالب وفد مصري بعودة الرأس للقاهرة، ولكن لم يعِر الألمان هذا الطلب أي انتباه، وبعد ذلك استطاع فارمر أن يعرض قضية نقل التحف الفنية إلى أميركا على الرئيس هاري ترومان الذي قرر إيقاف عملية النقل وظلت الرأس ضمن مجموعة متحف شارلوتنبرغ Charlotten burg ببرلين حتى تم نقلها إلى متحف التاريخ القديم الذي تم تجديده وأقاموا احتفالا غير أخلاقي الأسبوع الماضي احتفالا بمرور 100 عام على كشف الرأس الجميلة التي تمت سرقتها من مصر في أشهر فضيحة أثرية في التاريخ المعاصر.

لم أكتفِ مثل آخرين بالحلم بعودة الرأس المسروقة من مصر، ولكني قمت وأنا مسؤول عن الآثار بإعداد أول ملف كامل بالأدلة الموثقة التي تضمن حق مصر في عودة رأس الملكة نفرتيتي إلى وطنها. وأرسلت طلبا رسميا موقعا مني إلى الحكومة الألمانية لعودة نفرتيتي إلى مصر، وكان الرد متعاليا من الجانب الألماني حيث اكتفوا بقولهم إنه ليس لي الحق في مخاطبتهم مباشرة، وإنما يجب أن تتم مخاطبتهم عن طريق وزير الثقافة! وتناول القضية كاتب ألماني ونشر يستهجن رد بلده تحت عنوان «ولا تزال الأعمال الاستعمارية مستمرة». الغريب أنني هوجمت في مصر من قبل أبطال من ورق يدعون أنني لم أدافع عن عودة الآثار المهربة! ليتهم يكملون القضية التي بدأتها ونرى يوما مشرقا بنور الشمس تعود فيه نفرتيتي.