صمت البيت الأبيض

TT

أن تلتزم إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما جانب الحيطة في مواقفها من القضايا العربية الملحة في الوقت الحاضر (وخصوصا سوريا ومصر) أمر مثير للتساؤل في ظل تسارع الأحداث في الشرق الأوسط.

أما أن يصمت البيت الأبيض على ردود فعل حكومة بنيامين نتنياهو الانفعالية على رفع التمثيل الفلسطيني في الجمعية العمومية للأمم المتحدة إلى مستوى الدولة المراقب غير العضو فأمر يصعب تفسيره مهما قيل عن انهماك الرئيس أوباما بهموم الموازنة الاتحادية.

بعد أن خذله نتنياهو في حملته الانتخابية الأخيرة، لماذا يفوّت الرئيس الأميركي فرصة متاحة «لرد الجميل» لرئيس الحكومة الإسرائيلية رغم تبدل الموازين الظرفية لصالحه؟

قبل فوزه بسباق الرئاسة – بفضل أصوات الناخبين السود والمنحدرين من أصول إسبانية - كان أوباما بأمس الحاجة إلى الصوت اليهودي في معركته الانتخابية، وكان تأييده لنتنياهو - الذي بلغ حد القبول بمنطقه في استهداف قطاع غزة - مبررا، وإن مصلحيا آنذاك.

أما وقد انقضى الاستحقاق الانتخابي الأميركي بفوز مبين للرئيس أوباما، وبعد أن اتضح أن نتنياهو جير الأصوات اليهودية لصالح منافسه المرشح الجمهوري، ميت رومني - الذي تجمعه به ذهنية يمينية محافظة مقرونة بصداقة قديمة تعود إلى زمالتهما في «مجموعة بوسطن الاستشارية» في أواخر سبعينات القرن الماضي،

وبعد أن واجهت إسرائيل أسوأ نكسة سياسية في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بموافقة 138 دولة على رفع مستوى التمثيل الفلسطيني وخرجت من جلسة 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بأعمق عزلة دولية عرفتها حتى الآن.. كان متوقعا أن يتحرر أوباما من ضغوط الصوت اليهودي ويعيد تصحيح معادلة العلاقة الثنائية، الرسمية والشخصية، مع نتنياهو وعبرها العلاقة السياسية مع العالم العربي بعد أن جره تأييد نتنياهو إلى مشاركة إسرائيل عزلتها الدولية في الأمم المتحدة.

رغم ذلك بقي موقف البيت الأبيض من قرارات نتنياهو الانفعالية، وخصوصا استئناف بناء المستوطنات اليهودية في منطقة «إيه - 1»، محصورا في نطاق بادرتين خجولتين: الأولى تنديد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون برد نتنياهو على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، والثانية اتهام رئيس أركان البيت الأبيض السابق في عهد أوباما، وعمدة شيكاغو الحالي راحم عمانوئيل (المؤيد الثابت لإسرائيل) نتنياهو «بخيانة صداقة أميركا» في موقفه من استئناف عمليات الاستيطان.

صوتان خافتان يدعمان حق الفلسطينيين في أرضهم. ولكن الصوت الأقوى، أي صوت الرئيس أوباما، بقي مغيبا تاركا المجال واسعا لتأويلات متباينة.

ليس سرا أن علاقة أوباما بنتنياهو مرت، ولا تزال، «بتقلبات» أفرزها التقاطع الظرفي للمصالح الأميركية – الإسرائيلية في الشرق الأوسط. ومنذ نحو السنتين لا تتطابق حسابات «حقل» نتنياهو مع حسابات «بيدر» أوباما في ما يبدو خلافا على الأولويات الإقليمية في موقفهما من إيران ومفاوضات السلام مع الفلسطينيين.

بالنسبة لإيران، ورغم دعوات نتنياهو المتكررة لعمل عسكري يوقف تطويرها لسلاح نووي، يصر أوباما على التزام القنوات الدبلوماسية لإقناع طهران بالتراجع عن مخططها النووي. وفيما تؤكد إسرائيل أن طهران «تجاوزت العتبة التكنولوجية» لإنتاج قنبلة نووية ما زالت واشنطن تعتبر أن إيران لم تصل بعد إلى هذا المستوى من التقدم التقني.

أما التباين الآخر في أولويات الدولتين فيعود إلى أن واشنطن، رغم موافقتها على وجهة النظر الإسرائيلية بأن البرنامج النووي الإيراني يشكل خطرا على استقرار منطقة الشرق الأوسط، ترغب في الوقت نفسه أن تحرك حكومة نتنياهو عملية التفاوض مع الفلسطينيين فيما يدعي نتنياهو أن من الصعب التوصل إلى سلام شامل مع الفلسطينيين إذا استمر التهديد الإيراني لإسرائيل.

أما اليوم فإن إسرائيل تشهد، وهي في أوج عزلتها الدولية، انقلاب علاقتها الثنائية مع البيت الأبيض رأسا على عقب: نتنياهو، لا أوباما، أصبح مرشحا لانتخابات تفتح الباب واسعا لتدخل أميركي يستغل ورقة مؤثرة في إسرائيل: ورقة إعراض الناخب الإسرائيلي العادي عن تأييد الحزب الذي لا يضمن له توثق التقارب التقليدي مع واشنطن.

فهل من فرصة أفضل لأوباما «لرد الجميل» للزعيم الليكودي بمجرد أن يؤيد الحزب الإسرائيلي القادر على استغلال ورقة الصداقة الأميركية؟