يا أخت قلبي

TT

يقال: إن الرفاهية لا تؤدي إلى الفضيلة، إنها في الغالب تطفئ أنبل العواطف لدى المرء.

ويجب على القارئ أن لا يأخذ هذا الكلام كقضيّة مسلّمة.. لأن القضية المسلّمة الوحيدة في هذه الحياة هي الموت ولا شيء غيره، وما عداه قابل للأخذ والرد والنقاش، ولكن لأن الأمور إذا أريد لها أن تتقدم فيجب أن تؤخذ على محمل (النسبية) عندها يمكن لنا أن نقول: إن الرفاهية في غير محلها، وفي غير وقتها، ولمن لا يستحقها، أصبحت وبالا على المجتمع بل ومن الممكن جدا أن تطفئ أنبل العواطف، وتذكي جذوة الحقد والكراهية.

الخوف على بعض القطاعات المرفهة في مجتمعنا من الرفاهية الزائفة، هو أكثر من فقدانها لها، (فلا بارك الله) في رفاهية لم تصل إلى أصحابها عن طريق السلوك الحضاري، (ولا بارك الله) في أزياء قوامها الغش والدجل وتحت أسمالها أبدان تمتلئ بالقذارة والدرن.

ليس هناك أمة لا تنشد الرفاهية، ومن قال غير ذلك فهو أحمق، ولكن عن أي رفاهية يجب أن نتكلم؟!

هل نتكلم عن رفاهية نوّام النهار؟!

أم عن رفاهية من يأكلون أموال الآخرين، ويلوّعونهم في أروقة المحاكم، بينما هم يشطحون بها ويمرحون في بلاد الله الواسعة؟!

هل نتكلم عن رفاهية أبنائهم الذين لا يعرفون وأخشى أن لا يعرفوا عن تاريخ بلادهم شيئا؟!

إنني لا أريد أن أثير حفيظة أحد على أحد، ولكن الحقيقة تقول: إن هناك بعض الفئات (الطارئة) التي برزت على سطح المجتمع، ورغم أنها قليلة، فإنها كالطفح أو الدمامل المتقيحة، وأعتذر عن هذا التعبير ولكن ما (باليد حيلة) لأنها بالفعل كذلك.

هذه الفئات - للأسف - أعماها (الرصيد)، وأعمتها (السيولة)، وأعمتها (الدنيا)، التي قدمت لها على طبق من (الجهالة)، حتى ولو كان مصنوعا من الذهب.

هذه الفئات من السهل جدا أن يكتشفها المرء من أول مقابلة أو جلسة، فلهم - أعاذنا الله - أذناب وآذان طويلة، حتى ولو لم تشاهد.. وهم حينما يمشون تصدح الصاجات الوهمية في أسماعهم، فيتمايلون ويهزّون، وإذا نظروا نظروا بعيون فاترة فتور حياتهم، وإذا تكلموا وددت لو أنهم بكم وأنك أنت أصنج.

فيا أيتها الرفاهية ماذا فعلت بنا؟! أو ماذا فعلنا بك نحن؟! من هو الفاعل ومن هو المفعول به؟!

* * *

أراد الوالد أن يتعرف على مواهب ولده الصغير ومقدار صلاحيته لمختلف الأعمال فأرسله ليلعب في حجرة وضع بها مصحفا شريفا وتفاحة وورقة مالية.

وكانت فكرة الأب أنه إذا عكف الولد على قراءة المصحف فمعناه أنه يليق بوظيفة دينية، وإذا أكل التفاحة فمعناه أنه يليق بالزراعة، وإذا أخذ الورقة المالية فمعناه أنه يليق للأعمال التجارية.

وترك الأب ولده حينا في الحجرة منفردا، ثم فتح الباب عليه ودخل فإذا بالولد جالس يقرأ في المصحف وهو يقضم من التفاحة وقد برزت الورقة المالية من جيبه.. فعلام استقر رأي الأب بالنسبة لولده؟!

استقر رأيه على أن يهيئه لدراسة العلوم (السياسية) مستقبلا، وكان على صواب.

ولقد أوردت هذا المثل متعمدا وذلك احتفاء بصعود تيار (الإسلام السياسي) بمصر.. انتبهوا يا أولي الألباب (!!).

* * *

أكثر ما أعجبتني هي بداية لرسالة غرامية كتبها مراهق ناشئ لمحبوبته، عندما خاطبها بكل براءة ولا أقول سذاجة بـ(يا أخت قلبي).. الواقع أنني بقدر ما أعجبت به حزنت عليه.

[email protected]