تحزب ونكت!

TT

أستغرب وأندهش من تعاطي «غير المصريين» في الشأن المصري بحماسة واندفاع تفوق المصريين أنفسهم في أمورهم.

ويظهر هذا الشيء بشكل جلي في العالم الافتراضي بالإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، فتجد أنصار الرئيس محمد مرسي يبدون «حساسية» مفرطة جدا من أسلوب التعاطي معه عن طريق إطلاق النكات والطرائف (وهي مسألة بالنسبة للمصري أشبه بالماء والهواء، فهو تعوّد أن يلقي بالنكات وأن يسخر من كل شيء)، ولكن هؤلاء اعتبروا أن هذا الأمر فيه استهزاء بالرجل وتحقير من قدره وانتقاص من قيمته، وطبعا يستشهدون في ذلك بأقوال وحكم مأثورة. وكأن ما كان مسموحا بحق جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك بات محرما وممنوعا في حق محمد مرسي، لأن محمد مرسي له «الشرعية» الدينية وبالتالي فهو ولي الأمر. عجيب هذا المنطق وغريب في آن واحد، فلم يكن حسني مبارك من كفار قريش، وحتما لم يكن محمد مرسي أحد الصحابة - رضوان الله عليهم!

إنه منطق التعصب والجهل الأعمى والاستقطاب المطلق المتهور. هذا النوع من المنطق بل ومن العصبية هو الذي «يعمي» الناس عن «آدمية وبشرية» محمد مرسي في هذه الحالة وإمكانية أن يقوم بقرار فيه خطأ أو فيه تسرع ويغير رأيه أو يصرف النظر عنه ويعود بداية إلى ما كان، وهو ما قام بعمله الرئيس المصري محمد مرسي في أربعة قرارات حتى الآن.

طريقة التعامل مع محمد مرسي وحزب الحرية والعدالة واعتبارهم وكلاء «حصريين» لشرع الله ودينه، هي مسألة خطيرة جدا لأن هذا النوع من الطرح لا مجال للحوار ولا الالتقاء فيه في منطقة وسطية، بل على العكس تماما.

العواطف الجياشة واللعب بها وتحريكها وتأجيجها للمصالح الخاصة والأغراض الفئوية أساليب معروفة وتتكرر عبر الأزمنة باستمرار ولا يتعظ أحد من الدروس والعبر ولا يتعظون من التكلفة والأثمان الباهظة التي تُدفع.

التاريخ أكبر مدرسة وأهم معلم، والتاريخ السياسي في العالم العربي والإسلامي كفيل بتأكيد هذه الأقوال.

مناصرو محمد مرسي تحول فريق كبير منهم وخصوصا من غير المصريين إلى «بلطجية تأييد» يناصرون بلا موضوعية ولا منطق وأحيانا بلا عقل.. همهم «نجاح» مرسي مهما كان أداؤه فيه من السلبيات والأخطاء المضرة له ولجماعته ولبلاده، ولكن هذا الفريق يتحول إلى مجموعة من المبررين والاعتذاريين بشكل مذهل.

المصريون شعب مجبول على السخرية من الأحداث والشخصيات، هذه جزء من الشخصية المصرية ويتعاطون مع أعتى مشاكلهم بالهزل وبالنكت، فهي بالنسبة إليهم جزء من العلاج النفسي لمشاكلهم ومواجهة همومهم، ولذلك كم هي ساذجة وسطحية الهجمات التي تحصل على من يتناقل هذه النكات والطرف بحسن ظن وبطيب خاطر وبحسن نية، لأن فيها تشكيكا في عقيدة من يفعل ذلك وفي صلاحه وفي دينه وفي خلقه وفي وطنيته!

ولا أبالغ في أي من هذا الوصف، فهو واقع يحدث الآن في قلب مصر وعلى صفحات صحفها ومواقعها الافتراضية بشكل أشبه بساحات القتال، ومنهم حتى من أعلن «الجهاد الإلكتروني» لتطهير القضاء من «الأنجاس والسفلة»، وغير ذلك من الأوصاف التي لا تسمح صحيفة محترمة كالتي بين أيديكم الآن بنشر ألفاظها البذيئة.

الانقسام الحاصل بين مؤيدي مرسي ومعارضيه لم تشهد مصر مثيلا له من قبل في حدته وغلظته، وهي التي تعودت على الاستقطاب بين الأهلي والزمالك، وبين عبد الناصر والسادات، وغير ذلك من الأمثلة المختلفة المليئة بالتحزب والميول الحادة.

مصر التي عرفت ميولا وفرقا وأحزابا كثيرة لم يكن ذلك في يوم مدعاة لإخراج أحد من الدين أو إهدار دمه بهذا الشكل العلني والذي لا يخجل من الجهر به واعتباره جزءا من ركائز الدين والدعوة، وهذا لعمري خديعة ورطت الكثير من الأبرياء وسيتحمل وزر ذلك من ظلم وكان السبب.

[email protected]