مائة عام من الهزال

TT

جلست الدول الكبرى في ذلك الوقت ستة أشهر في مدينة فرساي الفرنسية تتقاسم العالم وبقايا الإمبراطورية التركية. لويد جورج من بريطانيا العظمى وجورج كليمنصو من فرنسا وودرو ويلسون من واشنطن ومعهم من تبقى من حواضر البيت الأوروبي.

في علانية لا يشبهها ما قبلها وما بعدها، وضعوا أمامهم كوكب الأرض وأخذوا يقسمونه. رئيس وزراء اليونان كان يرأس وفدا من 17 شخصا لكنه استأجر في الفندق 80 غرفة، وطالب بثلاثة أرباع تركيا. وكليمنصو الذي كان قد قال «الزيت، ما الزيت، أستطيع أن أذهب إلى جاري البقال وأشتري زجاجة منه» أصبح الآن يريد، فيما يريد، الموصل بسبب نفطها. وراح الفرنسيون والبريطانيون يعدلون في تعديل اتفاقات سايكس - بيكو (1916) وكأنهم يعدلون في سياج حدائقهم.

كان ذلك عام 1919 وبعد عشرين عاما تماما تذكر العالم ملاحظة الفرنسي فوش الذي قال «بعد عقدين سوف ترفس ألمانيا هذه الاتفاقية (فرساي) وتهاجم فرنسا من الشمال للوصول إلى بريطانيا». وفي الشرق الأوسط كانت لعنة سايكس - بيكو قد حلت على أهل الاتفاق والمعنيين بتداعياته: فيصل الأول أخفق ملكا على سوريا وصار ملكا على العراق عام 1921 لكنه توفي العام التالي وقتل ابنه من بعده ثم حفيده وحامل اسمه في بغداد عام 1958. وانتحرت (عام 1926) الخاتون غيرترود بل، التي «حكمت» العراق الحديث. وقتل لورانس العرب صاحب «الثورة العربية» (1935) على دراجة نارية. وبداية الحرب العالمية قتل المعتمد السياسي البريطاني في العراق أرنولد ولسون (رئيس غيرترود بل). وانتهت حياة جورج بيكو المهنية في فضائح نسائية عندما صار سفيرا لدى بلغاريا ثم بيونس آيرس.

أدخل «الاتفاق» بريطانيا وفرنسا في صراع دائم، ثم خرج البلدان من المنطقة بعد الحرب، تاركين خلفهما القضية الفلسطينية. وحل محلهما النفوذ الأميركي والتوسع السوفياتي ثم انحساره. والمنطقة اليوم تشبه ذلك العقد ما بين 1921 و1931. تأمل اللاعبين، بما فيهم ألمانيا. تأمل حالة الضعف السائدة في العالم العربي. لاحظ أن سوريا هي محط الصراع الأكبر. ولا تنس أن سوريا ضعيفة في قلب المنطقة سوف تكون خطرا عليها، كما قال لويد جورج في فرساي عن ألمانيا ضعيفة في قلب أوروبا.

مائة عام وضعف المنطقة العربية لم يتغير. الذي يتغير هو أدوار الأقوياء واللاعبين. والنتيجة الأولى لربيع العرب قيام مجموعة ضعيفة من الدول، مأخوذة بهمومها وأمنها. إلا دولة القانون في العراق، مأخوذة كالعادة بكيف تحارب بغداد أربيل. برزاني الابن بعد برزاني الأب.