هيفاء وخديجة.. الإبداع امرأة!!

TT

دائما ما أسارع بكتابة رأيي في الأفلام التي أشاهدها في المهرجانات، ولكني هذه المرة في مهرجان دبي كنت عضوا في لجنة تحكيم «الفيبرسي» للنقاد العالميين، ومن مبادئ التحكيم أن لا ندلي برأينا قبل إعلان النتائج الرسمية.

منذ ساعات قليلة انتهت فعاليات المهرجان وهكذا عاد لي حقي في التعبير الذي تكفله كل الدساتير في العالم بما فيها بالمناسبة الدستور الذي قسم مؤخرا مصر إلى شطرين.

أستطيع أن أرى حضور المرأة بقوة في هذا المهرجان، هل صار الإبداع يساوي امرأة بعد أن نعتها فيلم مصري قديم بأقسى الصفات عنوانه «العذاب امرأة»؟

من بين عشرات الأفلام التي شاهدتها في مهرجان دبي أتوقف مع فيلمين، الأول روائي سعودي «واجدة» للمخرجة هيفاء المنصور، والثاني تسجيلي طويل «صرخة» للمخرجة اليمنية خديجة السلامي.

نلتقط الخيط أولا مع خديجة التي أمسكت بسلاح الكاميرا وتابعت الثورة اليمنية، الحقيقة أن لفظ «تابعت» ليس دقيقا، الصحيح أن نقول إنها صارت جزءا من تلك الثورة التي لم تكن فقط تدعو لتحرير اليمن من طغيان علي عبد الله صالح، ولكن لتحرير الإنسان أولا من الأفكار البالية التي جثمت على عقله وقلبه.

في الميدان كانت المرأة اليمنية حاضرة ليست باعتبارها امرأة ولكن باعتبارها إنسانا يريد أن يسترد اليمن حقوقه وأن يحظى بمكانته كدولة شاركت في صنع تاريخ وحضارة البشرية.

عرف اليمن في تاريخه الملكة بلقيس، ولكن هناك من أراد لهذا البلد أن تُقهر نساؤه، ولهذا عندما فوجئ عبد الله صالح بضربات مباغتة من المرأة اليمنية لعب بورقة الفضيلة والشرف وأراد أن يستميل المجتمع المحافظ إلى جانبه بالهجوم على المرأة التي غادرت بيتها إلى الشارع، ووجد أن الصفعة ترد له بقوة حيث واصلت المرأة وجودها في الشارع تطالب بسقوطه، فاضطر إلى التراجع والاعتذار.

الفيلم يتوازى في دفاعه عن حق المرأة وحق الإنسان اليمني، كما أن الفيلم يجري حوارا مع السيدة توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، ويشير إلى أن المرأة اليمنية حملت السلاح بالفكر والقلم، والأهم هو أن المجتمع اليمني لم يعد يستشعر أي حرج في أن يرى في الخيمة المجاورة له امرأة تبيت مثله في ميدان الثورة تطالب بحياة أفضل لليمنيين، ولا يدهش عندما يطل بوجهه في المقهى فيلمحها على المائدة المجاورة تطلب «واحد قهوة سكر خفيف».

التحرر الاجتماعي هو وجه آخر للثورة، وهو بالتحديد ما رصدته بألق كاميرا خديجة السلامي. نعم، لا تزال ثورات الربيع العربي التي أطاحت برؤوس الأنظمة تواجه الكثير من الصعاب في تونس ومصر واليمن وليبيا، الثورة لا تنتهي برحيل النظام ولكنها تبدأ بتحرير المجتمع، ولا يمكن أن نتحدث عن الحرية ولدينا نساء يعتبر البعض أن صوتهن عورة، وهذا هو تحديدا ما رصدته خديجة.

وجاءت من المملكة العربية السعودية هيفاء المنصور لتضع السينما في المملكة على الطريق الصحيح. شاهدت قبل سنوات بالطبع أكثر من فيلم سعودي روائي طويل، ولكن هذه المرة نحن نتابع شريطا سينمائيا يملك مقومات إبداعية. مخرجة تمتلك أدواتها وتنتقل بالفيلم من مهرجان فينسيا إلى دبي وتناقش قضية حرية المرأة. البطولة على الشاشة لصبية تحلم بامتلاك دراجة بينما المجتمع يحرم عليها هذا الحق.

لم يكن الهدف أن نرى الطفلة في المشهد الأخير تنطلق في الشارع وابتسامة الانتصار تعلو وجهها بعد أن امتلكت ما تريد، ولكن نجحت المخرجة في أن تثير فكر المشاهد بالتأمل وأن تدعوه أيضا للانحياز إلى حرية المرأة وكأنه ينطلق أيضا في دراجة.

فيلمان بأيدٍ سعودية ويمنية أثبتا أن المرأة ليست عذابا، بل من الممكن هذه المرة أن نقول بكل اطمئنان إن الجرأة والإقدام.. والإبداع أيضا امرأة.