للإبداع (طقس) وثمن

TT

هناك طقوس يمارسها الإنسان الفرد، سواء في طريقته للنوم، أو الأكل، أو الحب، أو الإبداع بمختلف ألوانه.

وسوف يقتصر تناولنا اليوم على الطقس الأخير منها، فلو أننا أخذنا المبدعين العرب أولا: فالعقاد مثلا: لا يكتب إلا إذا كان متلفحا بشال صوفي حتى في عز الصيف، ويبدأ الكتابة في الخامسة صباحا بعد أن يشرب كأسا من عصير الليمون، ويكتب بقلم أحمر على ورق أبيض غير مسطر.

وتوفيق الحكيم: يلبس جلبابا فوقه عباءة، وعلى رأسه قلنسوة، وفي حجرة مغلقة لا يدخل إليها الهواء، (ويولع) سيجارة واحدة، وكلما شفط منها شفطة أطفأها، وبعد نصف ساعة يشعلها مرة ثانية وهكذا دواليك. وأحمد شوقي لا يكتب أشعاره إلا وسط الناس والضجيج، وغالبا ما يكتب أشعاره على ورقة ساقطة أو أي شيء يلقاه حتى كان علبة كبريت.

ومحمد عبد الوهاب لا يبدأ التلحين أو العزف إلا بعد أن يحلق ويتعطر ويتشيك.

وسعيد عقل لا تتفتق قريحته بالشعر إلا إذا كانت أمامه كاعب حسناء و(بطحة) عرق زحلاوي.

أما بالنسبة للأجانب فيروى أن فرنسيس بيكون لا يتناول القلم ليكتب إلا إذا أحيط بطيور مغردة، والموسيقار بتهوفن يضع دائما بالقرب منه وعاء ممتلئا بالماء البارد، ليصبه على رأسه بين الحين والآخر، وتشيخوف لا يجيد الكتابة إلا إذا أحضر له فتى يعزف على البيانو، وفاغنر لا يؤلف (سيمفونياته) إلا وهو لابس ثوبا من الحرير، وبعكسه الروائي بلزاك الذي لا يكتب إلا إذا ارتدى مسوح الرهبان، وشيلر يضع دائما أمامه تفاحة متعفنة، وكلما تعب من الكتابة أخذ يشمشمها فتعطيه الطاقة ليواصل الكتابة من جديد، و(دي كونيس) لا ينقطع عن تناول الأفيون، وموزارت يؤلف الموسيقى وهو يلعب (البلياردو) مع نفسه في ذات الوقت.

وعرف أن القصاص الأميركي كونين لا يكتب إلا وأباريق الشاي تتالى عليه، ليشرب منه مقادير كبيرة يوميا، وقد سأله أحد الصحافيين يوما: هل تحتفظ بأباريق الشاي على مقربة منك دائما عندما تجلس للكتابة؟! فأجابه: أجل، إذ لا غنى لي عنها.

فعاد يسأله: وما تأثير الشاي على سرعتك في الكتابة؟! فأجابه: إنني أكتب بمعدل ألف كلمة للجالون الواحد.

أما الموسيقار الإيطالي دونيزتي فيقال: إن الوحي لا يهبط عليه إلا بعد أن يضرب زوجته، وذكر في مقالة له: إنه كلما كان ضربي لها مبرحا، كانت الألحان أروع.

والغريب أن تلك الزوجة رغم تلك المعاناة لم تشكه أو حتى تتذمر، وكثيرا ما خرجت على الناس والكدمات الزرقاء والحمراء تملأ وجهها، وكثيرا ما تورمت عينها، وكثيرا ما كانت تعرج من آلام ساقيها من قساوة سقوطها على الأرض، وكثيرا ما لازمت فراشها طريحة بالأيام من شدة ما أكلت من الصفع والعض والركل والسحل.

ورغم هذا كله كانت تحبه بجنون، ولا أدري في أي خانة أنتم تصنفون تلك المرأة؟!

من وجهة نظري المحضة أعتقد أنها امرأة مميزة ومثالية، ويا بخت من تزوجها، ويا ليت كل النساء على شاكلتها.

[email protected]