مصر.. لا الهند ولا باكستان

TT

يطرح توماس فريدمان (عدد الاثنين 16 ديسمبر/ كانون الأول) على مصر، سؤالا تاريخيا: هل تتجهون إلى الخيار الهندي أم الخيار الباكستاني؟ أسارع إلى القول إن السؤال طرح للأسف والأسى، بعد فوات الأوان. وليت الكاتب الشهير تذكر أن الهند هي التي اتخذت ذات يوم الخيار المصري. ولو قرأ رسائل جواهر لال نهرو إلى ابنته أنديرا، لرأى كيف كان مأخوذا بشخصية وتجربة سعد زغلول وحزب الوفد، الذي أحرقوا مقره في القاهرة قبل أيام.

يبدو أن مصر تتجه إلى الخيار الباكستاني، وأتمنى أن يكذبني حدسي وأن يخذلني تشاؤمي. وقد كتبت في هذا الموضوع قبل سنوات كثيرة. ليس لأنني أعتبر الهند إنجازا كاملا بل لأنني أراها تجربة على الطريق الصحيح. والطريق الصحيح هو التقدم في ظل القانون والحرية. لذلك لم يعد النظام الهندي يعمل بموجب الأكثريات والأقليات بل بمنطق الحقوق والواجبات. ولم يتقبل النظام دور العسكر في السياسة بل جعل القوات المسلحة أحد أهم الجيوش في العالم وألزمها في ثكناتها. وعندما كان نهرو في زعامة «عدم الانحياز» إلى جانب تيتو وشو آن لاي وسوكارنو وعبد الناصر، كان هو الزعيم الديمقراطي الوحيد. عاشت باكستان في الانقلابات العسكرية والفساد وخسرت جزأها الشرقي، الذي صار بنغلاديش. وانتهت بعلاقات خارجية مؤذية وغير مجدية، كما في أفغانستان أو العلاقة الغامضة والمتناقضة مع أميركا. وبينما حققت الهند تقدما اقتصاديا نسبيا مؤهلا، ظلت باكستان في الفقر والتخلف. وأذكر قبل سنوات وقوع فيضان مرعب في إحدى الولايات الهندية حمل الولايات المتحدة على التبرع، فرفضت الهند المساعدة، بينما تعيش باكستان تحت رحمة المساعدات الأميركية. ولا تزال مصر تقبل مساعدة أميركية سنوية لا تبلغ الملياري دولار. وهي الآن تطلب مساعدة من البنك الدولي، بينما يتضاعف عدد أصحاب الملايين في الهند بنسب هائلة.

ليست مصر في حاجة إلى الخيار الهندي بل في العودة إلى الخيار المصري.. إلى 150 ألف عامل ماتوا وهم يشقون القناة. إلى المهندسين الذين بنوا الأهرامات والسد العالي وبنوا في الرمال أهم المعالم الحضارية في التاريخ. ليس على مصر أكثر من أن تقلد مصر، وأن تخرج من اللهو السياسي الباطل ومن العشوائيات وما هو دون العشوائيات في «مدن الحياة». ولكن، ربما لا يضر الأخذ بالتجربة الهندية في النظام.