الكشف عن سر جريمة قتل عمرها 3 آلاف عام

TT

مهما مرت السنون والقرون فلا بد للحقيقة أن تنكشف، ويفاجئنا التاريخ دائما بأسرار وخفايا تغير ما كان معروفا. ومنذ أيام استطاع الفريق المصري لدراسة المومياوات الملكية، والذي أشرف برئاسته، أن يكتشف سرا من أسرار الفراعنة، وهو أن الملك رمسيس الثالث، آخر الملوك الفراعنة العظام في نهاية الدولة الحديثة، قد مات مقتولا وبسكين حادة في مؤامرة تزعمتها إحدى زوجاته الثانويات وتدعى تيا ومعها ابنها الأمير بنتاؤر، والهدف من المؤامرة هو بالطبع القضاء على الملك رمسيس الثالث ومعه ولي عهده - ابنه الأمير رمسيس الذي سيصبح في ما بعد الملك رمسيس الرابع - وذلك لكي يخلو الطريق لبنتاؤر ويصبح ملكا على مصر. ويأتي هذا الكشف مفاجأة لعلماء المصريات لأنه سوف يغير التاريخ؛ لأن لدينا بردية تعرف باسم مؤامرة الحريم، وهي محفوظة بمتحف تورين بإيطاليا؛ وتشير البردية إلى المؤامرة التي اشترك فيها مع الملكة بعض من حريم القصر الملكي والموظفين وقادة من الجيش. وتشير البردية إلى فشل المؤامرة والقبض على الملكة والأمير وكل المتآمرين وتقديمهم للمحاكمة؛ حيث حكم على الكثيرين منهم بالقتل شنقا وتُرك الأمير بنتاؤر لكي يأخذ حياته بيده على حد تعبير البردية، وبالفعل شنق بنتاؤر نفسه.

وتأتي المفاجأة بالكشف عن أن الملك رمسيس الثالث قد قتل بالفعل، حيث أثبت الكشف على موميائه باستخدام أحدث تقنيات الأشعة المقطعية وجود جرح ذبحي بالرقبة أحدثته سكين حادة، ووصل عمق الجرح إلى عظام الرقبة. ليس هذا فقد بل ثبت أن الشخص الذي قتل الملك فاجأه من الخلف، وأنه لا شك قاتل محترف قتل بالسكين؛ وأنه كانت لديه الفرصة والوقت لقطع الحنجرة والوصول إلى عظام الرقبة، والاحتمال الأكبر أن الملك كان جالسا وقت أن فاجأه القاتل.

أما المفاجأة الثانية فهي أن الفريق المصري وجد أن المومياء التي يطلق عليها مومياء الشاب المجهول، الذي مات في سن الخامسة والعشرين - وتتميز مومياؤه بأن فمها مفتوح - هي مومياء الأمير بنتاؤر نفسه، وأن جسده لم يحنط وتم الاكتفاء بلفه بجلد الماعز.. وقد كشفنا عن وجود آثار لحبال على العنق، الأمر الذي يؤكد موت بنتاؤر مشنوقا كما ورد ببردية مؤامرة الحريم، وأكدت دراسة وتحليل الحامض النووي أن المومياء هي لابن الملك رمسيس الثالث.

وأعتقد أن الأدلة الموجودة على المومياء المجهولة تؤكد أنها فعلا مومياء هذا الأمير القاتل، لأنه نظرا للجريمة البشعة التي ارتكبها في حق أبيه لم يتم تحنيطه، وقد فتح فمه بهذه الطريقة من آثار الشنق، وتمت تغطيه جسمه بجلد الماعز الذي يعتبر من المواد غير الطاهرة في العقيدة المصرية القديمة؛ إشارة إلى أنه - أي بنتاؤر - سيؤول مصيره إلى جهنم جزاء جرمه.

جاء الإعلان عن هذا الكشف بعد عامين من الدراسة والتدقيق في النتائج المكتشفة وتحليلها والموافقة عليها واعتمادها مساء الاثنين الماضي عن طريق المجلة الطبية البريطانية الشهيرة، ولم يكن من حقنا نشر الكشف إلا بعد اعتماد لجنة طبية عالمية محايدة للنتائج التي توصلنا إليها، وأخيرا تمت إماطة اللثام عن واحدة من أقدم جرائم القتل في العالم القديم.