لماذا تحدث الشرع؟

TT

قرئت تصريحات الأستاذ فاروق الشرع بتفسيرات مختلفة. القراءة الأولى، أن كل ما قاله نائب الرئيس السوري يقع في خدمة رئيسه. القراءة الثانية أنه أعطى نفسه حرية نقد النظام ولكن متأخرا، بالنسبة إليه، وبالنسبة إلى النظام الذي لم يعد هو جزءا أساسيا فيه منذ وفاة الرئيس الأب.

في القراءتين منطق يستند إلى منطق. ولكن في النتيجة العامة فإنه وجه إلى رأس النظام ما يوجهه عادة غلاة المعارضين: هو الذي يملك في يده كل قرار سياسي وعسكري، حتى تعيين رئيس البرلمان. والذين دونه في إدارة الدولة يخافون صورته المعلقة فوق رؤوسهم. وهو - السيد الرئيس - من يصر على الحل العسكري ويرفض أي تفاوض إلا بعد إلحاق الهزيمة بالخصوم.

ثم يقترح الرجل الذي كان وزير خارجية سوريا لسنوات طويلة، حلا تشارك فيه الدول الإقليمية، التي سمى بشار الأسد بعض حكامها «أنصاف الرجال»، وقال عن بعضها إنها بلا تاريخ. وإلى جانب هذه الدول يقترح وجود «مجلس الأمن»، أي حضور أميركا وفرنسا وبريطانيا إلى جانب روسيا والصين.

هل هذا كلام رجل مؤيد أم رجل معارض؟ في اليوم التالي لنشر المقابلة في صحيفة «الأخبار» قال رئيس تحريرها إبراهيم الأمين إن ما عرضه الشرع هو «آخر مبادرة» قبل حرب أهلية تدوم سنوات وتقتل عشرات الآلاف. وهذا يؤكد أن أصحاب القراءة الأولى هم الأقرب إلى الدوافع الحقيقية لظهور الشرع المفاجئ، بعد غياب طويل أثار أنواعا من التساؤلات. والبعض كانت له مخاوف حول وضعه. وزاد فيها أن الأخضر الإبراهيمي لم يلتقه عندما ذهب إلى دمشق «بسبب ظروفه» واكتفى بالتحدث إليه هاتفيا، برغم ما بين الرجلين من مودة.

إذن، إلى من يصغي الرئيس بشار الأسد، وسوريا في هذه الحال؟ توصيف الشرع لطريقة الحكم لا تترك أي مجال للشك (وما من أحد كان يشك أصلا) بأن الحكم فردي مطلق. وأن الرجل محاط بأشخاص يصغون إليه ولا يصغي إلى أحد. وأنه لا يهتم «بوجهات النظر في القيادة»، كما قال الشرع، ولكن أي قيادة، إذا كان الرجل يرشح حتى رئيس البرلمان، من دون أي اهتمام حتى بالشكليات والظواهر؟

يحسن أن نقرأ نص المقابلة ونتأمل في صياغتها. إن نائب الرئيس يساوي بين رئيسه وبين معارضيه. ويصفه بأنه لا يسمع لمن معه في الدولة أو في الحزب. فهل سوف يصغي الآن إلى نائبه، الذي أبعده، فيمن أبعد، من رجال والده؟ إنها «المبادرة الأخيرة».. تقول «الأخبار» في شرح هدف المقابلة. لعلها، للأسف، تأخرت طويلا.