حليف.. عن غير قصد

TT

أربع سنوات من دبلوماسية تجنب «المغامرات» الخارجية، حولت الرئيس باراك أوباما، إلى أكثر رئيس مسالم عرفته الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.. وتكاد تحوله اليوم، وإن عن غير قصد أو تصميم، إلى «حليف الصدفة» للتيارات الإسلامية المتطرفة في الشرق الأوسط.

قد لا يحسد الرئيس أوباما على خياراته الشرق أوسطية. ولكن، بعد أن أصبح أول رئيس أميركي يطوقه هذا المدّ المتنامي من التيارات والأنظمة الإسلامية المتشددة في الشرق الأوسط، بات السؤال الذي يطرح نفسه بنفسه: هل بإمكانه أن يكون الرئيس الأميركي التاسع الذي يعجز عن إيجاد تسوية سلمية للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي؟

في عهد ولايته الأولى، كان العنوان العريض لدبلوماسيته الشرق أوسطية: التقارب مع مجتمعاتها الإسلامية، وإنهاء الوجود العسكري الأميركي على أراضي بعضها.

المهمة الأولى دشنها - واختتمها في الواقع - بخطاب «تاريخي» في القاهرة، في 4 يونيو (حزيران) 2009، تعهد فيه بالبحث عن «بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين.. استنادا إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل».

أما المهمة الثانية، فقد أنجزها في احتفال إنزال العلم الأميركي عن مطار بغداد في 15 ديسمبر (كانون الأول) 2011، منهيا 9 سنوات من احتلال عسكري للعراق شكل نصرا تكتيكيا.. وهزيمة استراتيجية للولايات المتحدة، يمكن تلمسها من زوال أي أثر لأي نفوذ أميركي في بغداد اليوم.

بعد هذين الحدثين، لم تصدر عن إدارة أوباما أي بادرة تصب في خانة المصلحة العربية أو الإسلامية المشتركة مع الولايات المتحدة، أو حتى في خانة قرارات الأمم المتحدة، وإن تم تبنيها بأكثرية ساحقة، كما كان الحال بالنسبة لقرار الجمعية العامة الاعتراف بفلسطين دولة مراقبا في المنظمة الدولية.

لا جدال في أن إدارة أوباما أدركت أن الرسالة الدولية من موافقة 138 دولة على رفع تمثيل فلسطين في الأمم المتحدة إلى مستوى الدولة المراقب هي: بقدر ما تتأخر التسوية السلمية لنزاع الشرق الأوسط، يصبح موقف إسرائيل أصعب من السابق.

أما البعد الإقليمي لتجاهل إدارة أوباما أهمية هذه التسوية، فيبدو جليا في تجاوز تداعياتها مشاعر العداء السياسي للدبلوماسية الأميركية إلى تغذية ضغائن «آيديولوجية» ضدها يبدو قاسمها المشترك إثارة التطرف الديني في مواجهتها.

بعد سنتين على خطاب القاهرة الشهير؛ هل تساءلت إدارة أوباما عن «الاختراق» الذي حققته على صعيد تحسين العلاقات مع الدول العربية التي تصفها بـ«المعتدلة»؟

بين مشكلاتها الاجتماعية والمالية في الداخل، وتوجهها الراهن لإعطاء وجودها الاستراتيجي والسياسي في منطقة المحيط الهادي أولوية غير مسبوقة، يتخذ تجاهلها للقضايا العربية المتفجرة في الشرق الأوسط بعدا مقلقا.

أحدث هذه القضايا - وليس آخرها - ما بدأ في سوريا كانتفاضة مسالمة تطالب بالحريات والحقوق البديهية للسوريين، وانتهت أشبه ما يكون بحرب أهلية دامية يصعب إعفاء «التردد» الأميركي في دعمها من مسؤولية تفاقمها وإطالة أمد حسمها.. وبالتالي من إتاحة فرصة ذهبية للحركات المتطرفة والتكفيرية إلى دخول ساحتها كلاعب عسكري وسياسي.

من المؤسف أن تدفع الثورة السورية، من جهة، والدولة الفلسطينية، من جهة ثانية، أعباء ما أصبح «تحالف صدفة» غير مقصودة بين الدبلوماسية الأميركية والتيارات الإسلامية المتطرفة.. وما يستتبعه ذلك، في نظر الغرب، من تحميل القضيتين العربيتين مسؤولية التطرف الديني المتنامي في المنطقة.

لو أن إدارة أوباما تبنت مبادرتين كانتا - وربما لا تزالان - متاحتين، أي إعادة تحريك المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية المجمدة، ودعم جهود الأسرة الدولية لإقامة ممرات إنسانية في سوريا، لكانت، على الأقل، حدّت من تنامي الحركات المتطرفة التي تتخذ من المأساة الفلسطينية وقودا لها، وحدّت كذلك من نزف الدماء السورية، ووفرت للسوريين ملاذا آمنا لهم في بلدهم، لا خارجه.

ربما لا تشجع تجارب الرئيس أوباما السابقة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على الرهان على قدرته على حمله على استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، ولكن الفرصة التي تتيحها له الانتخابية النيابية في إسرائيل لإسماع الناخب الإسرائيلي «كلمة» الولايات المتحدة يجب أن لا تذهب سدى، خصوصا أن استطلاعات الرأي الإسرائيلية تظهر تراجع شعبية حليف نتنياهو الوثيق، وزير خارجيته و«سلّمه» لتسلق الحكم، أفيغدور ليبرمان، في أعقاب اتهامه بالاحتيال والإساءة إلى الأمانة.